ثمرات التقوى في الدنيا والآخرة من خلال الكتاب والسنة
قد يسألني أحد الأحبة: أسمع كثيراً عن التقوى، لكن ما هي التقوى؟ وما هي ثمرات التقوى؟ وما هي أركان التقوى؟ التقوى أيها الأخيار الكرام! أصلها: أن يجعل العبد بينه وبين الله تبارك وتعالى وقاية يتقي بها سخط الله وعذابه، وسنتعرف الآن على تعريف التقوى وثمرات التقوى عسى الله أن يكرمنا ويجعلنا من أهل التقى
تعريف التقوى:
قبل أن نتعرف على ثمرات التقوى لا بد أن نتعرف على تعريف التقوى كما عرفه الصحابه والعلماء الأجلاء:
- تعريف التقوى عند علي بن أبي طالب: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل
- تعريف التقوى عند ابن مسعود: (التقوى هي أن يُطاع الله فلا يُعصَى، وأن يُذكَر فلا يُنسَى، وأن يُشكَر فلا يُكفَر).
- تعريف التقوى عند طلق بن حبيب فقال: (التقوى هي: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله).
- تعريف التقوى عند أبو هريرة رضي الله عنه حينما جاءه سائل فقال: (يا أبا هريرة! ما هي التقوى؟ فقال: هل مشيتَ على طريق فيه شوك؟ قال: نعم، قال: فماذا صنعتَ؟ قال: كنتُ إذا رأيت الشوك اتقيته، قال: ذاك التقوى).
فأخذ ابن المعتز هذا الجواب البديع في تعريف التقوى واستخرج ثمرات التقوى وقال: خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى، لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى
وبعد أن تعرفنا على تعريف التقوى، سنتعرف على فضل التقوى وثمرات التقوى لنحققها إن شاء الله ونكون من المتقين
فضل التقوى
- قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}
- قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرَاً}
- قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}
- وقال جل وعلا: {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}
- وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)
وبعد أن تعرفنا على تعريف التقوى سنتعرف على أركانها وثمرات التقوى بعون الله
أركان التقوى
قبل أن نتعرف على ثمرات التقوى لنكون من المتقين، لا بد أن نتعرف على أركان التقوى وهي:
الركن الأول: أن يطاع فلا يعصى
قد تقول لي: يا أخي، لستُ ملَكاً مقرَّباً، ولستُ نبياً مرسلاً معصوماً من الخطأ، فقد انتهى زمن العصمة بموت المعصوم صلى الله عليه وسلم، وإنما أنا بشر أخطئ وأصيب وأزل، وتنتابني حالات كثيرة من الفتور، وربما من المعاصي، بل وربما أقع في كبيرة من كبائر الذنوب، فكيف سأحقق ثمرات التقوى
وأنت تقول الآن بأن أول أركان التقوى هو: أن أطيع الله جل وعلا، وألا أقع في معصيته! فأقول لك: أبشر! فلقد ذكر الله المتقين في القرآن، كما ذكر ثمرات التقوى وذكر من صفاتهم أنهم ربما يقعون في الفاحشة! فإذا قلت: ما دليلك؟ فأقول: تدبر معي قول الله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}
مَن هم يا رب؟ وما صفاتهم؟ قال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
إذاً: التقي قد يزل؛ ولكن الفارق بينه وبين الشقي: أن الشقي إن زلَّ فذُكِّر بالله لا يتذكر، وإن زلَّ فوُعِظ لا يتعظ، وإن زلَّ فذُكِّر بالآخرة استعلى واستكبر واستأنف وكان في غفلة قاتلة، بل وربما استهزأ بالذي يذكره بالله جل وعلا، فهذا لا يحقق التقوى ولا يحقق ثمرات التقوى
الركن الثاني: أن يذكر فلا ينسى
تستطيع أن تكون ذاكراً لله وأنت في حراستك وأنت في عملك، فإن صححت النية فأنت في طاعة وفي عبادة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)،
فما المانع وأنت في خدمتك أن تذكر الله جل وعلا، وأن تصحح النية، وتحقق ثمرات التقوى كما أمر الله ورسوله، وأن تكرر على قلبك وذهنك وسمعك ما حفظت من كتاب الله، وأن تحمل كتاب الله في جيبك دائماً؟! فإن استشكل عليك شيء فتحت كتاب الله سبحانه وأنت في موطنك الذي أنت فيه،
وما المانع أن تكون ذاكراً لله بأي صيغة من صيغ الذكر؟! بل إن ذهبت إلى بيتك لتعاشر زوجتك ولتقضي شهوةً ركَّبها الله فيك فإن صححت النية وأنت في معاشرتك لزوجتك فأنت في طاعة لله جل وعلا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة)، فهذا هو التطبيق العملي في ثمرات التقوى
الركن الثالث: أن يشكر فلا يكفر
قال عز وجل {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، وبكل أسف يظن كثير منا أن النعمة هي الدينار، ويقول: إن رزقني الله ديناراً فأنا في نعمة، وإن ضُيِّق علي في الدينار فلم يُنعم الله جل وعلا علي بأي نعمة، وهذه نظرة قاصرة ضيقة أيها الأخيار!، وبعيدة كل البعد عن تحقيق ثمرات التقوى
بل إن لله نعماً لا تُعد ولا تحصى، ووالله لو لم يكن لله عليك من نعمة إلا أن جعلك موحداً، وأرسل إليك محمداً، لكفى بها نعمة، فإياك ألا تعرف قدرها وفضلها، فإن غيرك لا يعرف له رباً! ولا يعرف غايته التي وُجد من أجلها! فلا بد يا أخي أن تحقق التقوى وأن تعمل جاهداً لتطبق ثمرات التقوى
قال الشاعر:
النفس تجزع أن تكون فقيرةً والفقر خير من غنىً يطغيها،
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها
وقال الآخر:
هي القناعة فالزمها تكن ملكاً لو لم تكن لك إلا راحة البدنِ
وانظر لمن ملَك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الطيب والكفنِ
والآن سنتكلم عن وصية سفيان الثوري عن التقوى، وثمرات التقوى
وصية سفيان الثوري عن التقوى
جاء رجل إلى سفيان الثوري فقال: يا سفيان! لقد ابتُليت بمرض البُعد عن الله، فصف لي دواءً.
فقال سفيان: (عليك بعروق الإخلاص، وورق الصبر، وعصير التواضع، ضع هذا كله في إناء التقوى، وصب عليه ماء الخشية، وأوقد عليه نار الحزن، وصفِّه بمصفاة المراقبة، وتناوله بكف الصدق، واشربه من كأس الاستغفار، وتمضمض بالورع، وابعد عن الحرص والطمع، تشف من مرضك بإذن الله).
وهذا الدواء في ثمرات التقوى يحتاج إلى سنوات في تطبيقه: إخلاص وورع وصبر، هذه هي التقوى الحقيقية، والإنسان لا يستطيع أبداً أن يعيش دون أن يأكل أو يشرب، كذلك الروح قد تموت في القلب، وفي النفس، وفي البدن، وصاحبها لا يدري؛ لأن للروح دواءً، ولأن للروح غذاءً، ولأن للروح علاجاً، ولا يعلم دواء وعلاج وغذاء هذه الروح إلا خالقها،
يقول تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلَاً}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت)
فالذاكر لله حي وإن حُبست منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء؟!
والآن سنتعرف على ثمرات التقوى بعون الله
ثمرات التقوى:
أولاً: محبة الله تعالى، من أجمل ثمرات التقوى أن الله يحبك وهل تعلم ماذا يعني أن الله يحبك قال تعالى: (إن الله يحب المتقين)
إن الله يحبك أي إن الله معك فإذا كان الله معك فمن أي شيء تخاف، ومن أي شيء تحزن، قال تعالى: (فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
وقال تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
وقال تعالى: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
ثانياً: رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة، إن من ثمرات التقوى رحمة الله تعالى، قال تعالى: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ)
وقال تعالى: (َوهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
ثالثاً: سبب لعون الله ونصره وتأييده، هذا من أروع ثمرات التقوى قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)
وقال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِن أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)
رابعاً: حصن الخائف وأمانه من كل ما يخاف ويحذر من كل سوء ومكروه في الدنيا والآخرة، أيضاً من ثمرات التقوى
قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)ٍ
خامساً: تبعث في القلب النور وتقوي بصيرته فيميز بين ما ينفعه وما يضره، هذه من أجمل ثمرات التقوى التي يبحث عنها المسلم
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
إذا أحببت مزيداً عن ثمرات التقوى وكيف تحقق التقوى أهميتها وفضل المتقين وصفاتهم تفضل بقراءة كتاب: التقوى
موقع بقعة أمل يتمنى لكم وقتاً ممتعاً بصحبتنا في قراءة ثمرات التقوى