النية في الصيام هل يشترط التلفظ بها؟
تعريف الصيام:
الصيام لغة: الإمساك والكف عن الشيء، قال: صام عن الكلام، أي أمسك عنه، قال تعالى إخباراً عن مريم: {إني نذرت للرحمن صوماً} [مريم:26/ 19] أي صمتاً وإمساكاً عن الكلام، وقال العرب: صام النهار: إذا وقف سير الشمس وسط النهار عند الظهيرة
الصيام شرعاً: هو الإمساك نهاراً عن المفطِّرات بنية من أهله من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
أي أن الصوم امتناع فعلي عن شهوتي البطن والفرج، وعن كل شيء حسي يدخل الجوف من دواء ونحوه،
في زمن معين: وهو من طلوع الفجر الثاني أي الصادق إلى غروب الشمس
من شخص معين أهل له: وهو المسلم العاقل غير الحائض والنفساء،
بنية: وهي عزم القلب على إيجاد الفعل جزماً بدون تردد، لتمييز العبادة عن العادة
تعريف النية في الصيام:
تعريف النية لغة:
النيَّات جمع نية، نوى الشيء ينويه نواة، ونيَّة: قصَد وعزم عليه،يقال: نوى القوم منزلاً؛ أي: قصدوه، ونوى الأمر ينويه: إذا قصد إليه، ويقال: نواك الله بالخير؛ أي: أوصله إليك، ويقال: نوى الشيء ينويه؛ أي: عزم عليه، وقيل: النوى التحوُّل من دار إلى دار، قال ابن فارس: هو الأصل في المعنى، ثم حملوا عليه الباب كله، فقالوا: نوى الأمر ينويه إذا قصده،
والنية: الوجه الذي تنويه، وقيل: النية: هي الإرادة وعلى هذا، فالنية تدور على القصد والعزم والإرادة والجهة والتحول.
تعريف النية في اصطلاح الفقهاء:
تعريف الحنفية: قال ابن عابدين: النية: قصد الطاعة والتقرُّب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل
تعريف المالكية: النية: قصد المكلف الشيءَ المأمور به
تعريف الشافعية: قال الماوردي: هي قصد الشيء مقترنًا بفعله، فإن قصده وتراخَى عنه، فهو عزم
وقال النووي: النية عزم القلب على عمل فرض أو غيره
تعريف الحنابلة: قال البهوتي: النية شرعًا: هي عزم القلب على فعل العبادة تقربًا إلى الله تعالى.
وهذا التعريف جيد؛ وذلك أنه أشار في التعريف إلى ذِكر التقرب إلى الله بالامتثال، وهو ما يخرج العادة إلى العبادة، والنية إنما يحتاج إليها في العبادات، وأما في المباحات فليست محل ثواب ولا عقاب لِذاتها.
فالنية في الصيام هي القصد وهو اعتقاد القلب فعل شيء وعزمه عليه، من غير تردد. والمراد بها هنا: قصد الصوم، فمتى خطر بقلبه في الليل أن غداً من رمضان وأنه صائم فيه، فقد نوى.
هل النية في الصيام شرط أو ركن من أركان الصيام؟
اتفق الفقهاء على أن النية في الصيام مطلوبة في كل أنواع الصيام، فرضاً كان أو تطوعاً، إما على سبيل شروط الصيام أو أركان الصيام، علماً بأن الشرط: ما كان خارج ماهية أو حقيقة الشيء، والركن عند الحنفية: ما كان جزءاً من الماهية. لقوله صلّى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» وقوله أيضاً: «من لم يُجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له»
وعن عائشة مرفوعاً إلى النبي صلّى الله عليه وسلم: «من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر، فلا صيام له» ولأن الصوم عبادة محضة، فافتقر إلى النية كالصلاة.
واعتبرالحنفية والحنابلة وكذا المالكية على الراجح أن النية في الصيام، شرطاً لا ركناً من أركان الصيام، لأن صوم رمضان وغيره عبادة، والعبادة: اسم لفعل يأتيه العبد باختياره خالصاً لله تعالى بأمره، والاختيار والإخلاص لا يتحققان بدون النية، فلا يصح أداء الصوم إلا بالنية، تمييزاً للعبادات عن العادات.
والنية في الصيام عند الشافعية ركن من أركان الصيام كالإمساك عن المفطرات.
النية في الصيام هل يشترط التلفظ بها؟
النية في الصيام محلها القلب، ولا تكفي النية في الصيام باللسان قطعاً، ولا يشترط التلفظ بها قطعاً، لكن يسن النية في الصيام عند الجمهور (غير المالكية) التلفظ بها، والأولى عند المالكية ترك التلفظ بها.
شروط النية في الصيام:
1 – تبييت النية: يشترط تبييت النية في الصيام أي إيقاعها ليلاً، وهو شرط متفق عليه، للحديث السابق: «من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر، فلا صيام له» ولأن النية عند ابتداء العبادة كالصلاة.
لكن تساهل بعض الفقهاء أحياناً في تحديد وقت النية في الصيام لبعض أنواعه:
فقال الحنفية: الأفضل النية في الصيام في جميع أنواعه، وهو أن ينوي وقت طلوع الفجر إن أمكنه ذلك، أو من الليل؛ لأن النية في الصيام عند طلوع الفجر تقارن أول جزء من العبادة حقيقة، ومن الليل تقارنه تقديراً.
وإن كانت النية في الصيام بعد طلوع الفجر: فإن كان الصوم ديناً، لا يجوز بالإجماع، وإن كان عيناً وهو صوم رمضان، وصوم التطوع خارج رمضان، والمنذور المعين، يجوز.
متى يشترط تبييت النية في الصيام؟
أـ نوع يشترط له تبييت النية في الصيام وتعيينها: وهو ما يثبت في الذمة: وهو قضاء رمضان، وقضاء ما أفسده من نفل، وصوم الكفارات بأنواعها ككفارة اليمين وصوم التمتع والقران، والنذر المطلق، كقوله: إن شفى الله مريضي، فعلي صوم يوم مثلاً، فحصل الشفاء. فلا يجوز صوم ذلك إلا بنية من الليل.
ب ـ ونوع لا يشترط فيه تبييت النية في الصيام وتعيينها: وهو ما يتعلق بزمان بعينه، كصوم رمضان، والنذر المعين زمانه، والنفل كله مستحبه ومكروهه، يصح بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار على الأصح، ونصف النهار: من طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى.
وقال المالكية: يشترط لصحة النية في الصيام إيقاعها في الليل من الغروب إلى آخر جزء منه، أو إيقاعها مع طلوع الفجر، ولا يضر في الحالة الأولى ما حدث بعد النية في الصيام من أكل أو شرب أو جماع، أو نوم، بخلاف الإغماء والجنون، فيبطلانها إن استمرا للفجر، وإلا فلا.
فلو نوى نهاراً النية في الصيام قبل الغروب لليوم المستقبل، أو قبل الزوال لليوم الذي هو فيه، لم تنعقد ولو نفلاً.
وقال الشافعية: يشترط لفرض الصوم من رمضان، أو غيره كقضاء أو نذر تبييت النية ليلاً، والصحيح أنه لا يشترط النصف الآخر من الليل، وأنه لا يضر الأكل والجماع بعدها، وأنه لا يجب تجديد النية في الصيام إذا نام ثم تنبه. اقرأ أيضاً: أركان الصيام
ويصح صوم النفل بنية قبل الزوال؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم قال لعائشة يوماً: «هل عندكم من غداء؟ قالت: لا، قال: فإني إذن أصوم، قالت: وقال لي يوماً آخر: أعندكم شيء؟ قلت: نعم، قال: إذن أفطر، وإن كنت فرضت الصوم»
واختصت النية في الصيام بما قبل الزوال للخبر، إذ الغداء: اسم لما يؤكل قبل الزوال، والعشاء: اسم لما يؤكل بعده، ولأنه مضبوط بيِّن، ولإدراك معظم النهار به. وبدهي أنه يشترط لصحة الصوم الامتناع عن المفطرات من أول النهار.
وقال الحنابلة كالشافعية: الصوم الواجب أو الفرض لا يصح إلا بنية من الليل، للحديث المتقدم: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له»، وأما صوم التطوع فيصح بنية قبل النهار، وبعده خلافاً للشافعية، إذا لم يكن طعم بعد الفجر،
لحديث عائشة المتقدم، قالت: «دخل علي النبي صلّى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذاً صائم»، ويدل عليه أيضاً حديث عاشوراء: «هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر»،
ولأن الصلاة خفف نفلها عن فرضها، بدليل أنه لا يشترط القيام لنفلها، وتجوز الصلاة في السفر على الراحلة إلى غير القبلة، فكذا الصيام، ولما فيه من تكثيره لكونه يَعنّ له، فعفي عنه. وهذا قول أبي الدرداء وأبي طلحة ومعاذ وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والنخعي وأصحاب الرأي.
2 – تعيين النية في الصيام في الفرض: هذا شرط عند الجمهور، وليس بشرط عند الحنفية.
قال الحنفية كما تقدم في الشرط السابق: لا يشترط تعيين النية في الصيام المتعلق بزمان معين كصوم رمضان ونذر معين زمانه ونفل مطلق، لأن الزمن المخصص له وهو شهر رمضان ونحوه من نذر يوم محدد بذاته وقت مضيق أو معيار، لا يسع إلا صوم رمضان.
ويصح أداء رمضان بنية واجب آخر لمن كان صحيحاً مقيماً، أما المسافر فإنه يقع عما نواه من الواجب. وأما المريض: فكذلك يقع عما نواه عند أبي حنيفة إذا نوى واجباً آخر؛ لأنه شغل الوقت بالأهم لتحتمه للحال، وتخيره في صوم رمضان إلى إدراك العدة.
وقال الجمهور: يجب تعيين النية في الصيام الواجب: وهو أن يعتقد أنه يصوم غداً من رمضان، أو من قضائه، أو من كفارته، أو نذره. فلا يجزئ النية في الصيام المطلق؛ لأن الصوم عبادة مضافة إلى وقت، فوجب التعيين في نيتها كالصلوات الخمس، والقضاء. اقرأ أيضاً: أحكام الصيام
وإن نوى في رمضان صيام غيره، لم يجزه عن واحد منهما.
3 – الجزم بالنية في الصيام: هذا شرط أيضاً عند الجمهور، وليس بشرط عند الحنفية.
أما الحنفية: فيرون أنه لا يشترط في الصوم المقيد بزمن معين أن تكون النية في الصيام جازمة، فإن نوى الصوم ليلة الثلاثين من شعبان، على أنه إن ظهر كونه من رمضان، أجزأ عن رمضان ما صامه بأي نية كانت، إلا أن يكون مسافراً أو نواه عن واجب آخر، فيقع عما نواه عنه.
ويكره تحريماً عندهم كما أبنت، في يوم الشك كل صوم من فرض وواجب، وصوم تردد فيه بين نفل وواجب، إلا صوم نفل جزم به، بلا ترديد بينه وبين صوم آخر، فإنه لا يكره.
ورأى الجمهور أنه لا بد أن تكون النية في الصيام جازمة، فلو نوى ليلة الشك إن كان غداً من رمضان، فأنا صائم فرضاً، وإلا فهو نفل، أو واجب آخر عينه بنيته، كأن ينويه عن نذر أو كفارة، لم يجزئه عن واحد منهما، لعدم جزمه بالنية لأحدهما، إذ لم يعين الصوم من رمضان جزماً.
ومن قال: أنا صائم غداً إن شاء الله، فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد، فسدت نيته لعدم الجزم بها، وإن لم يقصد ذلك بل نوى التبرك أو لم ينو شيئاً، لم تفسد النية في الصيام، إذ قصده أن فعله للصوم بمشيئة الله وتوفيقه وتيسيره. كما لا يفسد الإيمان بقوله: أنا مؤمن إن شاء الله، وكذا سائر العبادات لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها.
لكن لا يضر التردد بعد حصول الظن باستصحاب كآخر رمضان، أو حصول الظن بشهادة أو باجتهاد كالأسير، فلو نوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم غد إن كان من رمضان، أجزأه وصح صومه إن كان منه، لأن الأصل بقاء رمضان، وصومه مبني على أصل لم يثبت زواله،
ولا يؤثر تردده لأنه حكم صومه مع الجزم، بخلاف ما إذا نواه ليلة الثلاثين من شعبان؛ لأنه لا أصل معه يبنى عليه، ومن نوى الصوم غداً معتقداً كونه من رمضان بشهادة موثوقة، صح صومه.
ولو اشتبه رمضان على أسير أو محبوس أو نحوه، صام شهراً بالاجتهاد، كما يجتهد للصلاة في القبلة والوقت، وذلك بأمارة كالربيع والخريف والحر والبرد، فلو صام بلا اجتهاد، فوافق رمضان، لم يجزئه لتردده في النية في الصيام. فلو اجتهد وتحير، فلم يظهر له شيء، فيرى النووي في المجموع أنه لا يلزمه أن يصوم.
أما نية الفرضية في الصيام: فليست بشرط باتفاق المذاهب، وهو المعتمد عند الشافعية بخلاف المقرر في الصلاة؛ لأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضاً، بخلاف الصلاة، فإن المعادة نفل.
وكذلك لا يشترط بالاتفاق تعيين السنة، ولا الأداء، ولا الإضافة إلى الله تعالى، وهو الصحيح عند الشافعية؛ لأن المقصود متحقق بنية الصوم، والتعيين يجزئ عن ذلك.
4 – تعدد النية في الصيام بتعدد الأيام: هذا شرط عند الجمهور، وليس بشرط عند المالكية، فيشترط عند الجمهور النية في الصيام لكل يوم من رمضان على حدة؛ لأن صوم كل يوم عبادة على حدة، غير متعلقة باليوم الآخر، بدليل أن ما يفسد أحدهما لا يفسد الآخر، فيشترط لكل يوم منه نية على حدة.
وقال المالكية: تجزئ نية واحدة لرمضان في أوله، فيجوز صوم جميع الشهر بنية واحدة، وكذلك في صيام متتابع مثل كفارة رمضان وكفارة قتل أو ظهار ما لم يقطعه بسفر أو مرض أو نحوهما، أو لم يكن على حالة يجوز له الفطر كحيض ونفاس وجنون، فيلزمه استئناف النية، أي تجديدها فلا تكفي النية الواحدة،
وإن لم يجب استئناف الصوم، فالصوم السابق صحيح لا ينقطع تتابعه، ولكن تجدد النية في الصيام، وتندب النية في الصيام كل ليلة فيما تكفي فيه النية الواحدة. ودليلهم أن الواجب صوم الشهر، لقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة:185/ 2]، والشهر: اسم لزمان واحد، فكان الصوم من أوله إلى آخره عبادة واحدة، كالصلاة والحج، فيتأدى بنية واحدة.
صفة النية في الصيام وأثرها:
قال الحنفية: يصح صوم رمضان ونحوه كالنذر المعين زمانه بمطلق النية، وبنية النفل، وبنية واجب آخر، كما أبنت، ولا يجب تبييت نية صوم رمضان.
وقال المالكية: صفة النية في الصيام: أن تكون معينة مبيتة جازمة.
وقال الشافعية: كمال النية في الصيام في رمضان: أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى. والمعتمد أنه لا يجب في التعيين نية الفرضية.
وقال الحنابلة: من خطر باله أنه صائم غداً، فقد نوى، ويجب تعيين النية في الصيام بأن يعتقد أنه يصوم غداً من رمضان أو من قضائه أو من نذره أو كفارته، ولا يجب مع التعيين نية الفريضة.
واتفق غير الحنفية على وجوب تبييت النية في الصيام، كما اتفق غير الشافعية على أن الأكل والشرب بنية الصوم أو التسحر نية، إلا أن ينوي معه عدم الصيام. ولا يقوم مقام النية في الصيام عند الشافعية التسحر في جميع أنواع الطعام، إلا إذا خطر له الصوم عند التسحر ونواه، كأن يتسحر بنية الصوم، أو امتنع من الأكل عند الفجر خوف الإفطار.
أثر النية في الصيام:
هو تحقيق الثواب، فيحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية في الصيام؛ لأن ما قبله لم يوجد فيه قصد القربة، فلا يقع عبادة، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «وإنما لكل امرئ ما نوى»، فيصح تطوع حائض أو نفساء طهرت في يوم بصوم بقيته، وتطوع كافر أسلم في يوم بصوم بقية اليوم، ولم يكن كل من الحائض والكافر قد أكلا من طلوع الفجر
للمزيد اقرأ: الفقه الاسلامي وأدلته