معاذ بن جبل رضي الله عنه
نحن اليوم معكم مع كوكب من كواكب المجموعة النبوية، معاذ بن جبل رضي الله عنه، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم اعلم امتي بالحلال والحرام نقدمه لكم قدوة ومثلاً أعلى لشباب المسلمين، حيث أسلم رضي الله عنه في عمر الثامنة عشرة من عمره، وتوفي في الثالثة والثلاثين من عمره، أفنى حياته في دعوة الله عز وجل، والجهاد في سبيله، استطاع من خلال الفترة القصيرة أن يسطر أمجاده المشرقة على صفحات التاريخ المشعة
إسلام معاذ بن جبل
في ليلة من ليالي مكة أقبل كوكبة من الأنصار يتسللون من أجل بيعة العقبة التي بايعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قالوا للحبيب صلى الله عليه وسلم: على ما نبايعك يا رسول الله؟
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، وعلى أن تمنعوني منه أنفسكم وأبنائكم وأزواجكم ولكم الجنة)
فقال البراء بن معرور رضي الله عنه: “والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أسرنا، فبايعنا يا رسول الله فإنا والله أهل الحرب وأهل الحلقة، ورثناها كابراً عن كابر”
فقال البراء بن معرور: “ابسط يدك يا رسول الله نبايعك”، وبسط الحبيب صلى الله عليه وسلم يده المباركة تبايع الصحابة ومنهم يد مقدام العلماء، وإمام الحكماء، وسيد الدعاة الأتقياء، يد القارئ القانت، المحب الثابت، السهل السري، السمح السخي، معاذ بن جبل رضي الله عنه
أسلم رضي الله عنه في عمر الثامنة عشرة من عمره وتوفي في الثالثة والثلاثين من عمره، يا سبحان الله، كيف استطاع في هذه المدة الوجيزة أن يخط على جبين الزمن هذا المجد، وأن يسطر على صفحات التاريخ هذا الخلود، وهذه السيرة العطرة العبقة
صفات معاذ بن جبل
من صفات معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان أبيض الوجه طويلاً، وكان زاهداً متواضعاً، ورعاً تقياً، عالماً بالقرآن والفقه، فهو كما أخبر عنه الحبيب صلى الله عليه وسلم: (اعلم امتي بالحلال والحرام)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وأخبره بذلك فقال له: (يا معاذ والله إني لأحبك)
ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ بن جبل
- روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة)
- وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر بن الخطاب، نعم الرجل معاذ بن جبل)، اقرأ أيضاً: خالد بن الوليد رضي الله عنه
- وروى الترمذي وأحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول صلى الله عليه وسلم: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عز وجل عمر بن الخطاب، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأفرضهم-أي أعملمهم بالفرائض- زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل)
ثناء الصحابة على معاذ بن جبل
- يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل]
- قول ابن مسعود رضي الله عنه في الحديث الذي يرويه الامام البخاري تعليقاً: [قرأ ابن مسعود رضي الله عنه يوماً {إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله}، ثم قال ابن مسعود رضي الله عنه: “إن معاذ بن جبل كان أمة قانتاً لله، كان يعلم الناس الخير، وكان مطيعاً لله ورسوله”
يا معاذ اني احبك
كان معاذ بن جبل مكانة خاصة في قلب أستاذه ومعلمه صلى الله عليه وسلم، حيث أخذ النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل من يده يوماً ثم التفت إليه وقال: (يا معاذ والله إني لأحبك)، فيقول معاذ بن جبل رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله وأنا لأحبك يا رسول الله
فيقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: “فإني أوصيك ألا تدع دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”
حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ بن جبل
يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم: (بينما أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ، فقلت: لبيك رسول الله وسعديك،
فسار النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، فسار النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، فقال: أتدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم
فقال صلى الله عليه وسلم: “حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً”، ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم ساعة وقال: يا معاذ، أتدري ما حق العباد على الله إن هم فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: “ألا يعذبهم وفي رواية ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً”، فقال معاذ: أفلا أبشر الناس يا رسول الله، قال: لا تبشرهم فيتكلوا)، اقرأ أيضاً: عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وصية الرسول لمعاذ بن جبل
يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: [يا رسول الله أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)،
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ ألا أدلك على أبواب الخير؟)، فقال: بلى يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل،
ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله جل وعلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}،
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟
قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا. فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ قال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)
دعاء معاذ بن جبل لقضاء الدين
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد ديناً لأداه الله عنك، قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء،
وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك)
وقد قال المنذري: رواه الطبراني بإسناد جيد
معاذ بن جبل سفيراً إلى اليمن
جاءت رسل ملوك اليمن في العام العاشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد عودته من غزوة تبوك، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم من يعلمهم ويفقههم في دينهم،
فوقعت عين النبي صلى الله عليه وسلم على الداعية اللعظيم، القارئ القانت، المحب الثابت، معاذ بن جبل، اختاره النبي صلى الله عليه وسلم أميراً للدعاة في اليمن لدعوة الله عز وجل
تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ منهج الدعوة
بعد أن اختار النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل أميراً للدعاة في اليمن، بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يوصي معاذ بن جبل وهو راكب يرسم له الطريق ويحدد له منهج الدعوة الصحيحة التي ينبغي على الداعية السير عليها
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ، إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله جل وعلا قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة،
فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)
وفاة معاذ بن جبل
ينام معاذ بن جبل رضي الله عنه على فراش الموت في الثالثة والثلاثين من عمره، وينظر إلى أصحابه من حوله ويقول: “انظروا هل أصبحنا؟ فيخرجون ويقولون: كلا، فيسألهم مرة أخرى: انظروا هل أصبحنا؟ فيرجعون ويقولون: نعم، لقد أصبحنا، ثم يدعو
دعاء معاذ بن جبل
فيقول معاذ بن جبل [أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار]، ثم جعل يقول: “مرحباً بالموت مرحباً، زائر جاء بعد غيبة، وحبيب جاء على فاقة، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني كنت أخافك ولكني اليوم أرجوك،
اللهم إنك تعلم أنني لم أحب الدنيا لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر]
وبذلك توفى الصحابي الجليل معاذ بن جبل اعلم امة النبي صلى الله عليه وسلم بالحلال والحرام
للمزيد اقرأ: سلسلة مصابيح الدجى