-اعلان

خالد بن الوليد رضي الله عنه

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

سيرة خالد بن الوليد رضي الله عنه

نقضي هذه الدقائق المعدودة مع قائد المجاهدين، وسيف من سيوف رب العالمين، وأستاذ فن الحروب والميادين، الفاتك بالمسلمين يوم أحد، والفاتك بأعداء الإسلام بقية الأيام، إنه فارس الإسلام والمسلمين، وترياق وساوس الشياطين من الكفار والمنافقين، والبطل القوي العنيد، والفارس القوي إنه: خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه.

علم من أعلام الجهاد في سبيل الله، وعالم وحده في فن القيادة وإدارة الحروب، أحب المسلمون سيفه، وخافه أعداء الإسلام، وأقبل قادة الدنيا في كل زمان ومكان إلى عصر نابليون ينهلون من مورد خالد الخالد في فن القيادة، وإدارة الحروب، وقواعد القتال.

خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه الذي تحول في عالم الحرب ودنيا الميادين إلى أسطورة، وما زالت الأبحاث والدراسات إلى عصرنا هذا تنهل من مورد قيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، وفن إدارته للحروب والقتال، فمن هو خالد بن الوليد رضي الله عنه؟ وما الذي نعرفه نحن المسلمين عن خالد بن الوليد رضي الله عنه؟ والله لا نعرف عنه إلا القليل، في الوقت الذي نجد فيه كثيراً من المسلمون يعرفون الكثير والكثير عن نابليون، ولينين واستالين، وبسمر وغيرهم و غيرهم من هؤلاء.

نشأة خالد بن الوليد رضي الله عنه:

نشأ خالد بن الوليد رضي الله عنه في بيئة غنية ثرية مترفة، فأبوه هو: الوليد بن المغيرة الذي كان أغنى الناس في زمانه، وكان من كبريائه في جوده أنه كان ينهى عن أن توقد نارٌ في منى غير ناره لإطعام الحجيج

الوليد بن المغيرة الذي تحدث الله عنه وعن ثرائه وغناه في سورة المدثر فقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً} [المدثر:11-16] ذلكم هو الوليد بن المغيرة، وتلك هي البيئة التي نشأ فيها خالد بن الوليد رضي الله عنه.

ومع هذا الغنى، وهذا الثراء نشأ خالد بن الوليد رضي الله عنه نشأةً خشنة، مروض نفسه على الغلظة، والقساوة، والخشونة، وحياة البداوة، لماذا؟ لأنه نشأ من صغره يحب الفروسية والقتال، وترك خالد بن الوليد رضي الله عنه هذا الثراء والمال والغنى، إلا أنه ورث الكره الشديد للإسلام من أبيه

فهو قائد الميمنة، وصاحب الحملة الشرسة في غزوة أحد التي شتت شمل المسلمين، وبعثرت صفوفهم، حتى جرح النبي صلى الله عليه وسلم، بل وأشيع في الميدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، بعد المباغتة السريعة لـ خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي طوق من خلالها الرماة على الجبل، بعدما خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخالد بن الوليد رضي الله عنه هو الذي تولى قيادة الخيل في غزوة الخندق، ووكلت له مع كتيبة من الفرسان يركبون الخيول في هذه المعركة مهمةً عسيرة خطيرة ألا وهي: قتل النبي صلى الله عليه وسلم

إلا أن الله نصر عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وتصدى خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد ذلك في مائتي فارس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو في طريقه إلى مكة في عام الحديبية، ولما رآه النبي صلى الله عليه وسلم اضطر أن يصلي بأصحابه يومها صلاة الخوف.

ولما اصطلح النبي صلى الله عليه وسلم مع مكة وعاد في عمرة القضاء لم يقبل خالد بن الوليد رضي الله عنه أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يطوفون ببيت الله الحرام، فترك خالد بن الوليد رضي الله عنه مكة وخرج حتى لا يرى هذا المشهد بعينيه.

إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه:

تأتي كراهية خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد كراهية أبيه للإسلام مباشرة، إلا أنه مع هذا كان يعيش صراعاً داخلياً رهيباً بين بيئته بموروثاتها الجاهلية، وبين هذا النداء الذي يصرخ في أعماقه على أنه الحق، ويقول له: إن الإسلام هو دين الله، وأن محمداً هو رسول الله،

وأن الذي تركع وتسجد له يا خالد بن الوليد إنما هي حجارة لا تضر ولا تنفع، ولا تسمع ولا تبصر، ولا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.

وسرعان ما انتهى هذا الصراع الذي طال حقاً، وشرح الله صدر خالد بن الوليد، وقذف في قلبه حب الإسلام، وعلى الفور ينطلق خالد بن الوليد رضي الله عنه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة؛ ليبدأ حياةً جديدة من تلك اللحظة الباهرة الرائعة التي خشع فيها قلبه،

وسكنت فيها جوارحه، وامتدت يده لتبايع الحبيب صلى الله عليه وسلم، وليشهد بين يدي رسول الله شهادة الحق والصدق وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.

ويبتسم الحبيب صلى الله عليه وسلم، ويمد يده ليصافح خالد بن الوليد رضي الله عنه بوجه طلقٍ وهو يقول:(الحمد لله الذي هداك يا خالد، فلقد كنت أرى لك عقلاً، ورجوت ألا يسلمك إلا لخير) انظروا إلى شهادة النبي عليه الصلاة والسلام:(فلقد كنت أرى لك عقلاً، ورجوت ألا يسلمك إلا لخير)

مشاركة خالد بن الوليد رضي الله عنه في غزوة مؤتة وفتح مكة:

بعد شهرين أو ثلاثة فقط ينطلق خالد بن الوليد رضي الله عنه جندياً في صفوف كتائب التوحيد والإيمان، مع هذا الجيش الذي ذهب لمناطحة الصخور الصماء على حدود الشام في غزوة مؤتة

تلك الغزوة التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه يختار لها القادة، فقال كما ورد في صحيح البخاري في كتاب المغازي من حديث عبد الله بن عمر قال:(أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على غزوة مؤتة زيد بن حارثة، ثم قال عليه الصلاة والسلام: إن قتل زيد فـ جعفر بن أبي طالب، ثم قال عليه الصلاة والسلام: إن قتل جعفر فـ عبد الله بن رواحة)

وانطلق الجيش الذي لا يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل، ولما وصل الجيش إلى حدود الشام أذهلتهم المفاجئة الكبرى، فلقد رأوا الروم قد أعدوا لهم وجهزوا جيشاً جراراً يزيد على مائة ألف مقاتل

وهنا تردد المسلمون في القتال! كيف يدخلون هذه المعركة التي لا يمكن على الإطلاق أن نرى فيها ذرة من ذرات التكافؤ العددي والعُددي، وتردد الناس في القتال، مائة ألف إلى ثلاثة آلاف! وهنا قام الشهيد الشاعر صاحب السرير الذهبي: عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه

ووقف في صفوف الجيش منادياً بأعلى صوته وهو يقول: [يا قوم! إن التي تخشون للتي خرجتم تطلبون، إنها الشهادة في سبيل الله، و والله ما نقاتل عدونا بكثرةٍ ولا عدد، وإنما نقاتل عدونا بهذا الدين الذي أكرمنا به الله عز وجل، فانطلقوا، فإنها إحدى الحسنيين: إما النصر وإما الشهادة]

وانطلق الناس للقتال، انطلق ثلاثة آلاف لقتال مائة ألف مقاتل، وتولى القيادة زيد بن حارثة وقاتل حتى قتل وسقط اللواء، فانقض إليه سريعاً جعفر بن أبي طالب وقاتل حتى سقط اللواء وسقط بعده طيار الشهداء، فانقض على اللواء عبد الله بن رواحة ورفع اللواء وقاتل حتى قتل وسقط اللواء

ودب الرعب والذعر في قلوب المسلمين، لا سيما بعد قتل القادة الثلاثة الذين حددهم واختارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا انقض بسرعة الضوء ثابت بن أقرم رضي الله عنه على اللواء ليرفع اللواء خفاقاً عالياً، وأسرع ثابت بن أقرم ليبحث عن قائد الساعة وعن بطل الميدان عن أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه

وذهب إليه ثابت وقال: [خذ اللواء يا خالد، فقال خالد -المؤدب المهذب- لا -وأبى أن يتقدم، هؤلاء الذين فيهم السابقون من المهاجرين والأنصار- وقال خالد المهذب لـ ثابت بن أقرم: أنت أولى به مني يا ثابت فأنت من السابقين الأولين، ممن شهدوا بدراً، لست أحق بهذا اللواء منك، فقال ثابت بن أقرم: خذ اللواء يا خالد والله أنت أدرى بالقتال مني، وما أخذت اللواء من على الأرض إلا لك يا أبا سليمان]

ونادى ثابت بن أقرم في المسلمين بأعلى صوته وقال: [أيها المسلمون! هل ترضون إمرة خالد؟ قالوا: اللهم نعم] واعتلى العبقري جواده بعدما قد تحدد مصير المعركة بكل المقاييس، ودب الذعر والرعب، ومات قواد المعركة الثلاثة

وإن شئت فقل: لقد انتهت المعركة، واعتلى العبقري جواده، ودفع الراية عن يمينه كأنما يقرع بها أبواباً مغلقة قد آن لها أن تفتح بإذن الله على يد هذا البطل المغوار، ونظر العبقري نظرةً سريعة إلى أرض الميدان بعينين كعيني الصقر، وعاد تنظيم الصفوف، وثبت خالد في هذا اليوم ثبوت الجبال الرواسي، حتى خيم الليل بظلامه

تسمية خالد بن الوليد رضي الله عنه بسيف الله المسلول:

وهنا ظهرت عبقرية خالد بن الوليد رضي الله عنه، وظهر دهاؤه وبلاؤه وقتاله الذي قال عن نفسه: [والله لقد اندكت وتحطمت في يدي تسعة سيوف في يوم مؤتة] والحديث رواه البخاري، تسعة سيوف تحطمت في يد سيف الله، وأسد الله خالد بن الوليد رضي الله عنه.

نظر خالد بن الوليد رضي الله عنه وفي ظلام الليل وفي سرعة البرق والضوء وعدل صفوف الجيش، فجعل الميمنة مكان الميسرة، وجعل الميسرة مكان الميمنة، وجعل الساقة في المقدمة وأخر المقدمة إلى الساقة

وكلف طائفة من الجنود أن يتأخروا خلف الجيش، وعند مطلع الصباح أمرهم أن يثيروا غباراً، وأن يحدثوا صوتاً وصياحاً وجلبةً وضوضاء.

وفي الصباح الباكر بعدما بزغ الفجر، وجدت كتائب الروم وجوهاً غير الوجوه التي كانت تحاربها بالأمس، ورأت أعلاماً جديدة، ونظرت فوجدت غباراً، وسمعت صيحةً وصوتاً وجلبةً وضجيجاً، فظن الروم أن مدداً جديداً قد أقبل إلى جيوش المسلمين فدب الرعب في قلوبهم

وبدؤوا في الانسحاب المذهل المروع، واستطاع خالد بن الوليد رضي الله عنه بذكائه وعبقريته أن يفتح ثغرة فسيحة في قلب هذا الجيش العرمرم الكبير الرهيب، وانسحب بجيشه انسحاباً آمناً دون أن يصيب الجيش بأي أذى.

وبلغت البشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يعلم السر وأخفى، فلقد وقف الحبيب في المدينة المنورة يقص على المسلمين خبر غزوة مؤتة قبل أن يبلغه الخبر، فلقد أخبره علام الغيوب جل جلاله

كما ورد في صحيح البخاري من حديث أنس:(وقف النبي صلى الله عليه وسلم ينعي للناس قادة غزوة مؤتة وعيناه تذرفان بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد أخذ الراية زيد بن حارثة فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان ثم قال: حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله عليهم)

وانظروا إلى هذه العبارة النبوية، سمى النبي انتصار خالد فتحاً، وأي نصر؟ وأي فتح؟ ولما خرج المسلمون يقولون لهم: يا فرار قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام:(لا تقولوا هذا ولكنهم الكرار وليسوا فراراً)

سمى النبي صلى الله عليه وسلم انتصار خالد بن الوليد رضي الله عنه فتحاً(حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله) ذلكم هو الوسام الذي عاد خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى المدينة ليعلقه النبي صلى الله عليه وسلم على صدره، والله إنه وسامٌ لا تقوم له الدنيا، ومن يومها أحبتي سمي خالد بن الوليد بسيف الله المسلول.

ولم تمض إلا أشهراً معدودات حتى تقدم النبي صلى الله عليه وسلم في جيشه الكبير الجرار لفتح مكة، وولى النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه وجعله قائداً للميمنة، وها هو خالد بن الوليد رضي الله عنه  يدخل إلى مكة المكرمة قائداً من قواد جيش التوحيد، بعد أن كان بالأمس القريب قائداً من قواد جيش الشرك.

قتال خالد بن الوليد بن الوليد رضي الله عنه للفرس في موقعة القادسية:

في أوائل العام الثاني عشر للهجرة، ويبدأ خالد بن الوليد رضي الله عنه أعماله الميمونة المباركة في العراق بهذه الكتب التي أرسل بها إلى كسرى، وإلى ولاته وأمرائه في بلاد العراق، واسمعوا إلى هذه الرسالة

وإلى هذا الكتاب الذي أرسل به خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه: قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم “من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس، سلام على من اتبع الهدى

أما بعد: فالحمد لله الذي فضح دمكم، وسلب ملككم، ووهن كيدكم، من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم له ما لنا وعليه ما علينا، فإن جاءكم كتابي هذا فإني أخيركم بين ثلاثة: إما الإسلام، وإما أن تدفعوا الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون، وإما الحرب، فوالله الذي لا إله غيره لقد جئتكم بقومٍ يحبون الموت كما تحبون الحياة”.

الله أكبر ودب الرعب في قلوب أهل فارس، فلقد نُصر خالد بن الوليد رضي الله عنه بالرعب، وبالإجمال أقول: إن خالد بن الوليد بن الوليد رضي الله عنه دخل في خمس عشرة موقعة مع الفرس ومع أوليائهم، ولم يهزم بإذن الله في موقعة واحدة قط

وكانت أخطر معاركه مع أهل الفرس هي: موقعة ذات السلاسل بقيادة هرمز، وفيها قيد الفرس أنفسهم بالسلاسل، حتى يضمنوا ألا يفروا من الميدان أمام ضربات خالد بن الوليد رضي الله عنه، وانتهت معارك الفرس، ودك خالد بن الوليد رضي الله عنه عرش الإمبراطورية الفارسية في عامٍ واحد، فعل خالد بن الوليد رضي الله عنه ما عجز الرومان أن يفعلوه في أجيالٍ متتابعة.

قتال خالد بن الوليد رضي الله عنه ضد الروم في موقعة اليرموك:

وكان الصديق رضي الله عنه بعدما انتهت معارك فارس قد جيش الجيوش إلى بلاد الشام للقضاء على أعظم امبراطورية في الغرب، ألا وهي امبراطورية الروم، وقد اختار الصديق لهذه الجيوش قادةً عظاماً، اختار أبا عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان

وجعل الصديق القيادة العامة لجيوش الشام في يد أبي عبيدة رضي الله عنه، ولما وصلت الجيوش إلى بلاد الشام، وسمع هرقل امبراطور الروم بهذه الجيوش قال قولته المشهورة: والله لأشفين أبا بكر ألا يورد خيله إلى أرضنا مرة أخرى، وجيش هذا الرجل جيشاً لا مثيل له

جيش جيشاً يزيد على مائتين وأربعين ألف مقاتل، ولما رأى قادة الجيوش المسلمة هذا الجمع الرهيب، أرسلوا إلى خليفة رسول الله إلى أبي بكر يخبروه بالصورة الجديدة والموقف الجديد، أتدرون ماذا قال الصديق رضي الله عنه؟ قال: والله لأشفين وساوس الروم بـ خالد بن الوليد رضي الله عنه.

وأصدر الصديق الأوامر إلى قائده المظفر خالد بن الوليد رضي الله عنه أن ينتقل من العراق من أقصى المشرق فوراً إلى بلاد الشام إلى أقصى المغرب فوراً، وفي أربعة أيام يا عباد الله من طريقٍ وعرٍ مذهل! استطاع خالد بن الوليد رضي الله عنه أن يكون على جبهة الشام

وأرسل الصديق في ذلك رسالةً إلى قائده البطل إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه، وكانت تحتوي على كلماتٍ عذبة رقيقة، ومما كان في هذه الرسالة أن الصديق قال له: هنيئاً لك أبا سليمان النية والحظوة، لا يدخلنك عجبٌ فتخسر وتُخذل، وإياك أن تمن بعملٍ، فإن الله هو صاحب المن وهو ولي الجزاء

وأمره أن ينطلق مسرعاً إلى إخوانه من القادة في بلاد الشام، وأن يتولي خالد بن الوليد رضي الله عنه  القيادة العامة على أبي عبيدة وإخوانه من القادة، وأرسل الصديق رسالة مماثلةً إلى قائد الجيوش في الشام إلى أبي عبيدة

يقول فيها: “بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر إلى أبي عبيدة بن الجراح، سلام الله عليك أما بعد: فلقد أمرت خالد قيادة الجيوش في بلاد الشام، فلا تخالفه يا أبا عبيدة، واسمع له وأطع، وإني لم أبعثه عليك إلا لأني ظننت أن له فطنة في الحرب ليست لك، وإن كنت عندي أحب إليّ منه، أراد الله بنا وبك خيراً والسلام”.

ولما وصلت الرسالة إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه وكلف فيها من خليفة رسول بالقيادة العامة انظروا إلى الأدب والإخلاص، أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه رسالة إلى الفور إلى قائد الجيوش في الشام، إلى أخيه أمين هذه الأمة: أبي عبيدة بن الجراح، اقرأ أيضاً: أبو بكر الصديق

وقال فيها: “بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى أبي عبيدة بن الجراح، سلام الله عليك أما بعد: فلقد جاءني كتاب خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمرني فيه بالسير إلى بلاد الشام والقيام على جندها والتولي لأمرها

و والله ما طلبت ذلك يا أبا عبيدة وما أردته، فأنت على حالك التي كنت عليها قبل ذلك لا نخالفك يا أبا عبيدة ونسمع لك ونطيع، فأنت سيد المسلمين، ولا يمكن أن ننسى فضلك ولا نستغني عن أمرك”.

بالله ما أروعه! بالله ما أتقاه! بالله ما أنقاه! بالله ما أخلصه! هذه هي القلوب التي تجردت لله، التي لا تبحث عن الزعامة، ولا تريد الصدارة، ولا تريد القيادة، ولو كان على حساب دين الله جل وعلا

لا فرق عند خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي رباه سيد النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون جندياً مطيعاً بعد أن كان قائداً مطاعاً، أو أن يكون قائداً مطاعاً بعد أن كان جندياً مطيعاً، طالما أن راية التوحيد ستظل خفاقة عالية تعانق كواكب الجوزاء في عنان السماء.

ووصل خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى إخوانه، والتقت الجيوش المسلمة، وقبل بدء القتال وقف سيف الله يخطب هذه الخطبة العصماء، وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه لإخوانه من القادة والجند:

“إن هذا يومٌ من أيام الله، لا ينبغي فيه البغي ولا الفخر، وإن هذا اليوم له ما بعده، فإن رددناهم اليوم لا نزال نردهم بعد اليوم، وإن هزمونا اليوم لن نفلح بعدها أبداً، -ثم قال-: فتعالوا بنا نتعاور -أي: نتبادل القيادة- فليكن أحدنا اليوم قائداً، وليكن بعد اليوم أحدنا قائداً” -وهكذا ثم نظر إليهم خالد – بن الوليد رضي الله عنه

وقال: “وأطلب منكم أن تتركوا لي الإمارة في اليوم الأول، وتنازل القادة بمنتهى الحب والرضا للقيادة لأخيهم سيف الله المسلول وفارس الإسلام والمسلمين لـ خالد بن الوليد رضي الله عنه، وعاد البطل ينظم صفوف الجيش بطريقته الخالدية التي لا نظير لها في عالم الميادين، وفي عالم القيادة وفن الحروب

ونظم البطل صفوف جيشه، ورسم المسلمون في هذه الموقعة موقعة اليرموك صوراً من البطولة والفداء تبهر القلوب وتأخذ الألباب، اقرأ أيضاً: سيرة عمر بن الخطاب 

وانتهت المعركة أيها الأحباب: وفي وسط هذه الانتصارات المذهلة، وإذ بـ الصديق رضي الله عنه يودع الدنيا آمناً راضياً مطمئناً ليلقى حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بعدما أدى الأمانة التي كلف بها، وهنا يتولى عمر الفاروق رضي الله عنه لنرى مرة أخرى، وانتصاراً أعظم من جميع الانتصارات، مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 تنحية خالد بن الوليد رضي الله عنه من قيادة الجيوش في عهد عمر بن الخطاب:

أما بعد: فيا أيها الأحبة! تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه، وإذ بـ عمر يرسل على الفور كتاباً يهنئ فيه المسلمين بهذا النصر على أرض الميدان، وينعي إليهم وفاة أبى بكر رضي الله عنه، ويخبرهم بخلافته، ويأمر أبا عبيدة بن الجراح أن يتولى القيادة من جديد وأن ينحي خالداً رضي الله عنه.

وقيل: إن الرسالة وصلت إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه فأخفاها خالد بن الوليد رضي الله عنه حتى انتهت المعركة، وبعد انتهاء المعركة ذهب إلى أبي عبيدة ليؤدي إليه تحية الجندي إلى قائده.

وقيل: بأن الذي أخفى الرسالة أبو عبيدة حتى تنتهي المعركة، وبعد المعركة أخبر خالد بن الوليد رضي الله عنه لنرى انتصاراً هو من وجهة نظري أعظم انتصارٍ لـ خالد بن الوليد رضي الله عنه مع كل هذه الانتصارات المذهلة التي حققها

ويتنازل خالد بن الوليد رضي الله عنه بمنتهى الإخلاص والحب عن القيادة التي سطر روعتها وانتصاراتها وعظمتها بيديه، يتنازل لأخيه الأمين أبي عبيدة بن الجراح، فليست العبرة من هو القائد، ولكن القضية أن تظل راية التوحيد خفاقةً عالية، سواء رفعها أبو عبيدة أو خالد أو عمرو أو شرحبيل، المهم أن تظل الراية عالية.

وأود أن أبين أمراً -وإن كنت قد أطلت- شحنت به كتب التاريخ المزورة، وقد أسيء الظن بـ عمر رضي الله عنه، فنرى في كتب التاريخ من يقول: إن عمر قد عزل خالداً رضي الله عنهما لضغينة في نفس عمر على خالد، أو لحقد قديمٍ بين عمر وخالد، أو لمنافسة خالد لـ عمر

وهذا كله كذب وافتراء وباطل، وشتان أن تكون هذه القلوب الصافية المتجردة بهذا الظن وبهذا الغبش، ويكفي أن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في حق عمر:(لقد أجرى الله الحق على لسانه وقلبه)

ووالله لقد كان عمر صريحاً واضحاً كالسيف الصارم البتار حينما عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه، وأعلن ذلك على الملأ بقوله: [أيها الناس: إني لم أعزل خالداً عن سخطٍ ولا عن خيانة، ولكني رأيت الناس قد فتنوا به، ووكلوا إليه، فخشيت أن يوكلوا إليه، فأردت أن أعلمهم أن الصانع هو الله جل وعلا]

ليس النصر من عند خالد بن الوليد رضي الله عنه، انظروا إلى قلب عمر الذي تجرد وأزهر فيه مصباح التوحيد: [فأردت أن أعلمهم أن الصانع هو الله] ليس النصر من عند خالد بن الوليد  ولا بيد خالد بن الوليد: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}

وفاة خالد بن الوليد رضي الله عنه:

ينام سيف الله المسلول على فراش الموت بعد كل هذه المعارك والمشاهد والمواقع والغزوات، ينام على فراش موته في بيته وداره، وتنسكب الدموع غزيرةً على وجنتيه وهو يتلوى ويتألم بعد كل هذه المواقع والغزوات يا خالد بن الوليد، تنام على فراش موتك في دارك وفي بيتك

فيبكي خالد بن الوليد رضي الله عنه ويقول: [لقد شهدت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي موضع شبرٍ إلا وفيه ضربةٌ بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء]

ولسيرتك الخلد يا خالد بن الوليد، ودعنا نردد مع فاروق الأمة عمر الذي نعاك ودموعه تنسكب على وجنتيه غزيرة، نعاك بهذه الكلمات الطيبات الباهرات وهو يقول: [رحم الله أبا سليمان ما عند الله خيرٌ له مما كان فيه، لقد عاش حميداً، ولقي الله سعيداً] رضي الله عن خالد بن الوليد، وصلى الله وسلم وبارك على أستاذه ومعلمه.

للمزيد اقرأ: سلسلة مصابيح الدجى

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد