مرضعة الرسول
ولد الحبيب صلى الله عليه وسلم في عام الفيل، في العام الذي حاول فيه أبرهة الأشرم غزو مكة، وهدم الكعبة، فرده الله عن ذلك بالآية الباهرة التي وصفها القرآن، وكانت على الأرجح يوم الاثنين، في الثاني عشر من ربيع الأول، وقد ولد الحبيب صلى الله عليه وسلم يتيماً، فقد مات أبوه عبد الله، وأمه حامل به لشهرين، فعني به بعد أمه جده عبد المطلب، وحاول أن يبحث له عن مرضعة ترضعه، فيا ترى من هي مرضعة الرسول؟ ومن هي اول مرضعة للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما اسم مرضعة الرسول التي تشرفت برضاعته؟ سنتعرف على ذلك بعون الله
من هي مرضعة الرسول
بعد أن تكفل عبد المطلب بالنبي صلى الله عليه وسلم استرضع له على عادة العرب امرأة من بني سعد بن بكر، يقال لها حليمة بنت أبي ذؤيب، كانت حليمة قد حاظت بشرف لقب مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد أجمع رواة السيرة أن بادية بني سعد كانت تعاني إذ ذاك سنة مجدبة، قد جفّ فيها الضرع، ويبس الزرع، فما هو إلا أن صار الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في منزل حليمة واستكان إلى حجرها وثديها حتى عادت منازل حليمة من حولها ممرعة مخضرة، فكانت أغنامها تروح منها عائدة إلى الدار شباعاً ممتلئة بالضرع
قصة حليمة مرضعة الرسول
تقول حليمة بنت الحارث السعدية مرضعة الرسول التي أرضعته قالت: “خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة على أتان لي قمراء” قد أذمت بالركب، قال: خرجنا في سنة شهباء لم تبق شيئاً ومعي زوجي الحارث بن عبد العزى، ومعنا شارف أي ناقة مسنة هرمة لنا والله ما تسيل بقطرة من لبن، ومعي صبي لي إن ننام ليلتنا مع بكائه ما في ثديي ما يمصه وما في شارفنا من لبن نغدوه إلا أنا نرجو
فلما قدمنا مكة لم يبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة رضاعه من والد المولود، وكان يتيماً فكنا نقول: ما عسى أن تصنع أمه، حتى لم يبق من صواحب امرأة إلا أخذت صبياً غيري، وكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئاً، وقد أخذ صواحبي فقلت لزوجي: والله لأرجعن إلى ذلك فلآخذنه،
قالت حليمة مرضعة الرسول: فأتيته فأخذته فرجعته إلى رحلي، فقال زوجي: قد أخذتيه، فقلت: نعم والله ذاك أني لم أجد غيره، قال: قد أصبت فعسى الله أن يجعل فيه خيراً، فقالت: والله ما هو إلا أن جعلته في حجري، قالت: فأقبل عليه ثديي بما شاء من اللبن، قالت: فشرب حتى روي، وشرب أخوه أي ابنها حتى روي
وقام زوجي إلى شارفنا من الليل، فإذا هي حافل فحلبت لنا ما شئنا، فشرب حتى روي، وشربت حتى رويت، فبتنا ليلتنا تلك بخير شباعاً رواء وقد نام صبينا، قال: يقول أبوه يعني زوجها: والله يا حليمة ما أراك إلا أصبت نسمة مباركة قد نام صبينا وروي
تقول حليمة مرضعة الرسول “فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا، ويسرح راعي غنمي فتروح بطاناً لبناً حفلاً، وتروح أغنامهم جياعاً هالكة ما بها من لبن”
اول مرضعة للرسول
يشتهر بين الناس أن مرضعة الرسول هي حليمة فقط، لكن من كانت اول مرضعة للرسول صلى الله عليه وسلم هل كانت حليمة أم ثويبة مرضعة الرسول؟
والجواب: إن اول مرضعة للرسول صلى الله عليه وسلم هي ثويبة كما في تاريخ الطبري، حيث قال: اول مرضعة للرسول صلى الله عليه وسلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح، وكان ذلك قبل قدوم مرضعة الرسول حليمة، وكانت ثويبة مرضعة الرسول قد أرضعت قبله: حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي
فكان اسم مرضعة الرسول الاولى: ثويبة وهي مولاة لأبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم
واختلف في إسلام ثويبة مرضعة الرسول الأولى، وفي طبقات ابن سعد ما يدل على أنها لم تسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلها وهو بمكة، وكانت خديجة تكرمها، وهي على ملك أبي لهب، وسألته أن يبيعها لها فامتنع، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها أبو لهب
من هن مرضعات الرسول
يتساءل كثير من هن مرضعات الرسول وكم عددهن؟ والجواب: أن ثويبة مولاة أبي لهب، مرضعة الرسول الأولى، أرضعته أياماً وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي بلبن ابنها مسروح، وأرضعت معهما عمه حمزة بن عبد المطلب، واختلف كما ذكرنا في إسلامها
ثم كانت مرضعة الرسول حليمة السعدية، أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم بلبن ابنها عبد الله أخي أنيسة، وجدامة وهي الشيماء، وهم أولاد الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي
واختلف في إسلام أبويه من الرضاعة، وأرضعت حليمة مرضعة الرسول معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم عام الفتح، وحسن إسلامه
قصة ثويبة مرضعة الرسول
كانت ثويبة مرضعة الرسول قد أرضعت قبل النبي صلى الله عليه وسلم أبا سفيان، وحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولما ولد الحبيب صلى الله عليه وسلم سارت ثويبة مرضعة الرسول إلى مولاها أبي لهب، وبشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث لها بصلة وكسوة، وجاء خبر موتها مرجعه من خيبر، سنة سبع من الهجرة
مرضعات الرسول بالترتيب
- آمنة بنت وهب: كانت أم النبي صلى الله عليه وسلم وهي مرضعة الرسول طبعاً بالبداية وقد أرضعته سبعة أيام، ولم تكمل أمه صلى الله عليه وسلم فترة رضاعته كلها لأنه من عادة الشريفات من قريش أنهن لم يكن يرضعن أولادهن، وكانت أمه من شريفات قريش، إضافة إلى أنهم كانوا يرسلون أبنائهم للبادية، للهواء الطلق، ولتعلم القوة والشجاعة والفصاحة والبلاغة
- مرضعة الرسول الأولى هي ثويبة مولاة لأبي لهب بن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أعتقها عندما بشرت أبي لهب بولادة النبي صلى الله عليه وسلم
- حليمة السعدية: وهي حليمة بنت أبي ذؤيب، وهي من قبيلة سعد بن بكر، وزوجها الحارث بن عبد العزى بن رفاعة، وهي من أشهر مرضعات الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي التي أرضعته حتى أكملت رضاعه
- امرأة من بني سعد كانت مرضعة لحمزة: هذه المرأة التي أرضعته صلى الله عليه وسلم مع حمزة من بني سعد، وهي غير حليمة السعدية مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت أم حمزة قد أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند أمه حليمة
أول من أرضع الرسول صلى الله عليه وسلم:
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيماً، في بيت من أشرف بيوت العرب، وقد اصطفاه الله تعالى من بين البشر، حيث إن نسبه عليه الصلاة والسلام من لدن آدم عليه السلام من أطهر الأنساب، مصداقاً لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ اللهَ خلَق الخلقَ فجعلني في خيرِ خَلْقِه وجعَلَهم فِرقتين فجعلَني في خيرِ فِرْقةٍ وخلَق القبائلَ فجعلَني في خيرِ قبيلةٍ وجعَلَهم بُيُوتًا فجعَلَني في خيرِهم بيتًا فأنا خيرُكم بيتًا وخيرُكم نفْسًا)
اقرأ ايضاً: نسب النبي صلى الله عليه وسلم
وبعد ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعتبرمرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم الاولى كانت ثويبة مولاة أبي لهب، وقد دل على ذلك ما روي عن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسولَ اللهِ، انْكِحْ أختي بنتَ أبي سفيانَ، فقال: أوتحبين ذلك؟ فقلت: نعم، لستُ لك بمُخلِيَةٍ، وأَحبُّ من شاركني في الخيرِ أختي، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لا يحلُّ لي.
قلتُ: فإنَّا نُحدِّثُ أنك تريدُ أن تَنْكِحَ بنتَ أبي سلمةَ؟ قال: بنتَ أمِّ سلمةَ. قلتُ: نعم، فقال: لو أنها لم تكن ربيبتي في حَجْري ما حلَّت لي، أنها لابنةُ أخي من الرَّضاعةِ، أرضعتني وأبا سَلمةَ ثُوَيْبَةُ، فلا تُعْرِضْن عليَّ بناتَكن ولا أخواتَكن قال عُروةُ: وثُوَيْبةُ مولاةٌ لأبي لهبٍ).
من هي مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم:
كثير من الناس يتساءل من هي مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ بعد موت والد النبي صلى الله عليه وسلم عني به جده عبد المطلب واسترضع له- على عادة العرب إذ ذاك- امرأة من بني سعد بن بكر يقال لها حليمة بنت أبي ذؤيب اختارها لتكون مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم، اقرأ أيضاً: نسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم
وقد أجمع رواة السيرة أن بادية بني سعد كانت تعاني إذ ذاك سنة مجدبة قد جفّ فيها الضرع ويبس الزرع، فما هو إلا أن صار محمد صلّى الله عليه وسلم في منزل مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية واستكان إلى حجرها وثديها حتى عادت منازل حليمة من حول خبائها ممرعة مخضرّة فكانت أغنامها تروح منها عائدة إلى الدار شباعا ممتلئة الضرع.
ويدل ما اتفق عليه رواة السيرة النبوية من أن منازل مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية عادت ممرعة مخضرّة بعد أن كانت مجدبة قاحلة، وعاد الدرّ حافلا في ضرع ناقتها الكبيرة المسنة بعد أن كان يابسا لا يتندى بقطرة لبن، يدل ذلك على علوّ شأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورفعة مرتبته عند ربّه حتى عندما كان طفلا صغيرا كغيره من الأطفال.
اقرأ أيضاً: خادم رسول الله وصاحبه
فقد كان من أبرز مظاهر إكرام الله له أن أكرم بسببه بيت مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية التي تشرفت بإرضاعه. وليس في ذلك من غرابة ولا عجب، فقد علمتنا شريعتنا الإسلامية أن نستسقي عند انحباس المطر ببركة الصالحين من الناس ومن أهل بيت محمد صلّى الله عليه وسلم رجاء استجابة الله لدعائنا، فكيف إذا تشرف المكان برسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهو طفل رضيع قد استكان إلى حجر حليمة والتقم ثديها؟
إن من الجدير أن تكون سببيته لاخضرار الأرض المجدبة من حوله أبلغ من سببية قطر السماء وينابيع الأرض. وما دام الكل بيد الله وهو وحده مسبب الأسباب جميعها فأجدر برسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يكون في مقدمة أسباب البركة والإكرام الإلهي ذلك أنه رحمة الله إلى الناس بصريح تبيانه سبحانه وتعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ
الحكمة من رضاعة حليمة مرضعة الرسول للنبي:
لقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن لا يكون للمبطلين من سبيل إلى مثل هذه الريبة، فنشّأ رسوله بعيدا عن تربية أبيه وأمه وجدّه، وحتى فترة طفولته الأولى، فقد شاء الله عز وجل أن يقضيها في بادية بني سعد بعيدا عن أسرته كلها، وأن يبق عند حليمة مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولما توفي جدّه وانتقل إلى كفالة عمه أبي طالب الذي امتدت حياته إلى ما قبل الهجرة بثلاث سنوات، كان من تتمة هذه الدلالة أن لا يسلم عمه، حتى لا يتوهم أن لعمه مدخلا في دعوته، وأن المسألة مسألة قبيلة وأسرة وزعامة ومنصب.
وهكذا أرادت حكمة الله أن ينشأ رسوله يتيما، تتولاه عناية الله وحدها بعيدا عن الذراع التي تمعن في تدليله والمال الذي يزيد في تنعيمه، حتى لا تميل به نفسه إلى مجد المال والجاه، وحتى لا يتأثر بما حوله من معنى الصدارة والزعامة، فتلتبس على الناس قداسة النبوة بجاه الدنيا، وحتى لا يحسبوه يصطنع الأول ابتغاء الوصول إلى الثاني.
حادثة شق الصدر عند حليمة مرضعة الرسول:
وقد حصلت أثناء وجوده صلّى الله عليه وسلم عند حليمة مرضعة الرسول في بادية بني سعد (حادثة شق الصدر) التي رواها مسلم، ثم أعيد بعدها إلى أمه وقد تمّ له من العمر خمس سنوات.
تعد حادثة شق الصدر التي حصلت له عليه الصلاة والسلام أثناء وجوده في مضارب بني سعد عند حليمة مرضعة الرسول من إرهاصات النبوة ودلائل اختيار الله إياه لأمر جليل، وقد رويت هذه الحادثة بطرق صحيحة وعن كثير من الصحابة منهم أنس بن مالك فيما يرويه مسلم في صحيحه:
«أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرجه، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده إلى مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه- مرضعته- ينادون: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو ممتقع اللون»
وليست الحكمة من هذه الحادثة- والله أعلم- عند حليمة مرضعة الرسول استئصال غدة الشر في جسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إذ لو كان الشر منبعه غدة في الجسم أو علقة في بعض أنحائه، لأمكن أن يصبح الشر خيراً بعملية جراحية. ولكن يبدو أنّ الحكمة هي إعلان أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم وتهيؤه للعصمة والوحي منذ صغره بوسائل مادية، ليكون ذلك أقرب إلى إيمان الناس به وتصديقهم برسالته. إنها إذن عملية تطهير معنوي، ولكنها اتخذت هذا الشكل المادي الحسي، ليكون فيه ذلك الإعلان الإلهي بين أسماع الناس وأبصارهم.
ينبغي أن نعلم بأن ميزان قبولنا للخبر إنما هو صدق الرواية وصحتها فإذا ثبتت الرواية ثبوتا بيّنا فلا مناص من قبوله موضوعا على الرأس، وميزاننا لفهمه حينئذ دلالات اللغة العربية وأحكامها. والأصل في الكلام الحقيقة، ولو أنه جاز لكل باحث وقارئ أن يصرف الكلام عن حقيقته إلى مختلف الدلالات المجازية ليتخير من بينها ما يروق له، لا نشلّت قيمة اللغة وفقدت دلالتها وتاه الناس في مفاهيمها.
وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك).
للمزيد أكثر عن مرضعة الرسول اقرأ كتاب فقه السيرة النبوية