ليلة القدر
يستحب طلب ليلة القدر؛ لأنها ليلة شريفة مباركة معظمة مفضلة، ترجى إجابة الدعاء فيها، وهي أفضل الليالي حتى ليلة الجمعة، قال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر:3/ 97] أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها
وقال صلّى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه»، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله وشد المئزر»، أي اعتزل النساء، ولأحمد ومسلم: “كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها”.
وقت ليلة القدر
وقت ليلة القدر مختص بالعشر الأواخر في ليالي الوتر من رمضان، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الأواخر من شهر رمضان، في كل وتر»،
ولا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام، بل تتنقل في ليالي العشر الأواخر من رمضان، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وقول عند المالكية
وأرجح الأقوال عند العلماء أن وقت ليلة القدر في ليلة السابع والعشرين من رمضان، قال أبي بن كعب: «والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان، وأنها في ليلة سبع وعشرين، ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا»،
وعن معاوية «أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: ليلة سبع وعشرين»،
ويرجحه قول ابن عباس: «سورة القدر: ثلاثون كلمة، السابعة والعشرون فيها: هي»، وروى أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر حديثاً نصه: “من كان متحرّيها فليتحرها ليلة سبع وعشرين، أو قال: تحروها ليلة سبع وعشرين”
الحكمة من إخفاء ليلة القدر:
الحكمة في إخفاء ليلة القدر أن يجتهد الناس في طلبها، ويجدّوا في العبادة طمعاً في إدراكها، كما أخفيت ساعة الإجابة يوم الجمعة، وأخفي اسمه الأعظم في أسمائه، ورضاه في الحسنات، إلى غير ذلك.
- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كنتُ أجاوِرُ هذه العَشْرَ، ثم قد بدا لي أن أجاوِرَ هذه العَشْرَ الأواخِر، فمن كان اعتَكَفَ معي فلْيَثْبُتْ في مُعتَكَفِه، وقد أُرِيتُ هذه الليلةَ، ثم أُنْسِيتُها، فابتَغُوها في العَشْرِ الأواخِرِ، وابتَغُوها في كلِّ وِترٍ،
وقد رأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، فاستهَلَّتِ السَّماءُ في تلك الليلةِ فأمطَرَت، فوَكَف المسجِدُ في مُصَلَّى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ إحدى وعشرينَ، فبَصُرَتْ عيني رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونَظَرْتُ إليه انصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ ووجهُه ممتلئٌ طينًا وماءً))
- عن عبدِ اللهِ بنِ أُنَيسٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُرِيتُ ليلةَ القَدْرِ ثمَّ أُنْسِيتُها، وأُراني صُبْحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، قال: فمُطِرْنَا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرينَ، فصلَّى بنا رسولُ الله، فانصرَفَ، وإنَّ أثَرَ الماءِ والطِّينِ على جَبهَتِه وأنفِه))
علامات ليلة القدر:
- المشهور فيها ما ذكره أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن الشمس تطلع في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها»، وفي بعض الأحاديث:”بيضاء مثل الطست”،
- وروي أيضاً عنه صلّى الله عليه وسلم: «إن أمارة ليلة القدر: أنها ليلة صافية بلجة، كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح، وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية، ليس فيها شعاع، مثل القمر ليلة البدر، لا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ»
- وروى ابن خزيمة من حديث ابن عباس مرفوعاً: «ليلة القدر طلقة لا حارّة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة»
فضل ليلة القدر:
لليلة القدر فضائل ومُميّزات كثيرة، منها ما ورد في الكتاب، ومنها ما ورد في السنّة النبويّة، يُذكَر منها ما يأتي:
- ليلة التنزيل: من فضائل ليلة القدر أنّها الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، وهي ليلة مباركة: من فضائل ليلة القدر أنها ليلة مباركة فهي ليلة مباركة الأجر لمَن قامها، وعمل فيها بالخير، وقد وُصِفت بذلك في القرآن الكريم، قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ).
- ليلة الفصل والتقدير: من فضائل ليلة القدر أنها ليلة تُفصَّل فيها الأقدار، وتتنزّل من اللوح المحفوظ إلى صُحُف الكتبَة من الملائكة، وهذه الأقدار تتضمّن أقدار العباد من أمور الدنيا، كالرزق، والأجل، والحوادث، ونحوها، قال -تعالى-: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).
- ليلة الخير: إذ ذكر الله تعالى منزلة ليلة القدر، وفضل قيامها، والأجر والثواب المُترتِّب على العبادة والدعاء فيها؛ إذ يُضاعف الله سبحانه أجر الأعمال الصالحة في هذه الليلة، فيكون أجرها كأجر ألف سنة من العبادة، قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ). اقرأ أيضاً: فوائد الصيام
سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله “إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها”، قال: قولي “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني”. اقرأ أيضاً: أفضل الأعمال في شهر رمضان
أفضل الأعمال في ليلة القدر:
يُستحَبّ للمسلم في ليلة القدر أن يُسارع إلى الطاعات، والعبادات، ويجتهد فيها، ويُذكَر منها ما يأتي:
- القيام: القيام من أفضل الأعمال في ليلة القدر بَشّر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مَن قام ليلة القدر؛ إيماناً بالله، واحتساباً للأجر، بالمغفرة، والأفضل أن يقتدي المسلم في القيام بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-
فيُصلّي إحدى عشرة ركعة؛ يُصلّيها ركعتَين ركعتَين، ثمّ يُوتِر بركعة، ولا حرج في الزيادة عن ذلك؛ لفِعل الصحابة -رضي الله عنهم-
- الدعاء والذكر: يعتبر الدعاء من أفضل الأعمال في ليلة القدر علّم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عائشةَ -رضي الله عنها- دعاءً تدعوه في ليلة القدر إذا عَرَفتها، وهو: (اللهمَّ إنك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني).
- قراءة القرآن: من أفضل الأعمال في ليلة القدر قراءة القرآن، حيث يستحَبّ الإكثار من قراءة القرآن في ليلة القدر، ومن كان قادراً على ختم القرآن كاملاً أن يختمه في ليلة القدر، وله بذلك أجر عظيم.
- الاستعداد لإحيائها: إذ يستعدّ المسلم لإحياء ليلة القدر منذ الفجر، ويحرص على الصدقة فيها، وعلى تفطير صائم في يومها، والإكثار من الدعاء وقت إفطاره،
ويحرص فيها على السُّنَن الرواتب، والسُّنَن الأخرى، كترديد الأذان وراء المُؤذّن، والدعاء بعد الأذان، وكثرة ذِكر الله -تعالى- فيها، والتعجيل في الفِطر، والزيادة في بِرّ الوالدَين.
من روائع دعاء ليلة القدر:
- من دعاء ليلة القدر ربنا لك الحمد، ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد.
- من دعاء ليلة القدر اللهم إن كانت هذه ليلة القدر فاقسم لنا فيها خير ما قسمت، واختم لنا في قضائك خير ما ختمت، واختم لنا بالسعادة فيمن ختمت.
- من دعاء ليلة القدر اللهم اجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء وروحي مع الشهداء واحساني في عليين وإساءتي مغفورة.
- من دعاء ليلة القدر اللهم افتح لنا الليلة باب كل خير فتحته لأحد من خلقك وأوليائك وأهل طاعتك ولا تسده عنا، وارزقنا رزقًا من رزقك الطيب الحلال تغيثنا به.
للمزيد اقرأ: الفقه الاسلامي وأدلته