قضاء الصيام
يجب باتفاق الفقهاء قضاء الصيام على من أفطر يوماً أو أكثر من رمضان، بعذر كالمرض والسفر والحيض ونحوه، أو بغير عذر كترك النية عمداً أو سهواً، لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة:184/ 2 – 185] والتقدير: فأفطر فعدة. وقالت عائشة رضي الله عنها: “كنا نحيض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنؤمر بقضاء الصوم”، ويأثم المفطر بلا عذر، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة، ولا مرض، لم يقضه صوم الدهر كله، وإن صامه»
والمقضي وجوباً: هو رمضان، وأيام الكفارة، والنذر، وحالة الشروع في التطوع في رأي الحنفية والمالكية، لكن المالكية أوجبوا القضاء على من أفطر في التطوع متعمداً، أما من أفطر فيه ناسياً، أتم ولا قضاء عليه إجماعاً، وإن أفطر فيه بعذر مبيح فلا قضاء.
وقت قضاء الصيام
ووقت قضاء رمضان ما بعد انتهائه إلى مجيء رمضان المقبل، ويندب تعجيل قضاء الصيام إبراء للذمة ومسارعة إلى إسقاط الواجب، ويجب العزم على قضاء كل عبادة إذا لم يفعلها فوراً، ويتعين قضاء الصيام فوراً إذا بقي من الوقت لحلول رمضان الثاني بقدر ما فاته،
ويرى الشافعية وجوب المبادرة بالقضاء أي القضاء فوراً إذا كان الفطر في رمضان بغير عذر شرعي، ويكره لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوع بصوم.
ما حكم من أخر قضاء الصيام حتى دخل رمضان آخر
قال الجمهور: يجب عليه بعد صيام رمضان الداخل القضاء والكفارة (الفدية)، وتتكرر الفدية عند الشافعية بتكرر الأعوام.
وقال الحنفية: لا فدية عليه سواء أكان التأخير بعذر أم بغير عذر.
ولكن لا يجزئ قضاء الصيام في الأيام المنهي عن صومها كأيام العيد، ولا في الوقت المنذور صومه كالأيام الأولى من ذي الحجة، ولا في أيام رمضان الحاضر؛ لأنه متعين للأداء، فلا يقبل صوماً آخر سواه. ويجزئ قضاء الصيام في يوم الشك لصحة صومه تطوعاً
والقضاء يكون بالعدد، فإذا كان رمضان تسعة وعشرين يوماً، وجب قضاء ذلك المقدار فقط من شهر آخر.
هل يشترط التتابع في قضاء الصيام؟
اتفق أكثر الفقهاء على أنه يستحب موالاة القضاء أو تتابعه، لكن لا يشترط التتابع والفور في قضاء رمضان، فإن شاء فرقه وإن شاء تابعه، لإطلاق النص القرآني الموجب للقضاء، إلا إذا لم يبق من شعبان المقبل إلا ما يتسع للقضاء فقط، فيتعين التتابع لضيق الوقت، كأداء رمضان في حق من لا عذر له.
ودليل عدم وجوب التتابع ظاهر قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} [البقرة:184/ 2 – 185] فإنه يقتضي إيجاب العدد فقط، لا إيجاب التتابع.
هل يجوز الصيام عن الميت؟
من مات وعليه صيام شيء من رمضان فيتسائل الكثير هل يجوز الصيام عن الميت فله حالان:
أحدهما ـ أن يموت قبل إمكان قضاء الصيام، إما لضيق الوقت أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن الصوم، فلا شيء عليه عند أكثر العلماء لعدم تقصيره، ولا إثم عليه؛ لأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت، فسقط حكمه إلى غير بدل كالحج. وبناء عليه: إن مات المريض أو المسافر، وهما على حالهما، لم يلزمهما القضاء.
الحال الثاني ـ أن يموت بعد إمكان قضاء الصيام، فلا يصوم عنه وليه أي لم يجب صومه عند أكثر الفقهاء، ولم يصح صومه عنه عند الشافعية في الجديد؛ لأنه عبادة بدنية محضة، وجبت بأصل الشرع فلم تدخلها النيابة في الحياة وبعد الموت كالصلاة،اقرأ أيضاً: أحكام الصيام
ولحديث: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدّ من حنطة»، ويستحب عند الحنابلة للولي أن يصوم عن الميت؛ لأنه أحوط لبراءة الميت.
هل يجب الاطعام عن الميت من التركة؟
قال الحنفية والمالكية: إن أوصى بالإطعام، أطعم عنه وليه لكل يوم مسكيناً نصف صاع من تمر أو شعير؛ لأنه عجز عن الأداء في آخر عمره، فصار كالشيخ الفاني، ولا بد من الإيصاء.
وقال الشافعية في الجديد والحنابلة على الراجح: الواجب أن يطعم عنه لكل يوم مد طعام لكل مسكين، لقول عائشة أيضاً: «يطعم عنه في قضاء رمضان، ولا يصام عنه»، ولحديث ابن عمر: «من مات وعليه صيام شهر، فليطعم عنه مكان كل يوم مسكيناً»
قضاء الصيام للحامل والمرضع
يجب عند الجمهور غير الحنفية قضاء الصيام مع الفدية على الحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما، أما إن خافتا على أنفسهما، فلهما الفطر، وعليهما القضاء فقط، بالاتفاق. ودليله الآية السابقة: {وعلى الذين يطيقونه فدية .. } [البقرة:184/ 2] وهما داخلتان في عموم الآية،
قال ابن عباس: «كانت رخصة الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا، ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا»، ولأنه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة، فوجبت به الكفارة كالشيخ الهرم.
ولا تجب عليهما الفدية مطلقاً عند الحنفية، لحديث أنس بن مالك الكعبي: «إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم ـ أو الصيام ـ والله لقد قالها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أحدهما أو كليهما» فلم يأمر بكفارة، ولأنه فطر أبيح لعذر، فلم يجب به كفارة كالفطر للمرضى.
قضاء الصيام للحائض
يخالف الصوم الصلاة في أن المرأة ملزمة بأن تقضي الصوم خلافاً للصلاة.
والدليل على ذلك: حديث معاذة قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قلت: لست بحرورية، ولكن أسأل -يعني: مسترشدة أردت أن أتعلم- فقالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)
فقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (كان يصيبنا ذلك)، تعني: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا له حكم الرفع للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه يصيبنا ذلك، (فنؤمر)، أي: (فكان يأمرنا بقضاء الصيام، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة).
سبب قضاء الصيام للحائض دون الصلاة
وفارق الصوم الصلاة للمشقة، فإن الأمر بقضاء الصلاة فيه مشقة شديدة، ومخالفة لسماحة هذه الشريعة، والتأصيل العام الذي أصله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الشريعة هو التيسير على هذه الأمة، فقال: (يسروا ولا تعسروا) اقرأ أيضاً: أحكام الصلاة
وقد قال الله جل في علاه في كتابه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، أي: أنه قد رفع الحرج عنا، والقاعدة الفقهية التي قعدها العلماء تقول: المشقة تجلب التيسير.
والصلاة تتكرر، فإذا أمرت المرأة بقضاء الصلاة شق ذلك عليها، فرفعت عنها المشقة، أو رفع عنها الحرج، عملاً بهذه القاعدة العظيمة: المشقة تجلب التيسير.
وأما الصوم فلأنه لا يتكرر فقد أمرت المرأة بقضاء الصيام.
أحوال الحائض في الصيام
لما قلنا بأن الحائض يلزمها قضاء الصيام، فإن للمرأة الحائض ثلاثة أحوال في أمر الصوم: الحالة الأولى: أن تصوم طاهراً ثم تحيض، ولو قبل المغرب بدقيقة واحدة، ولو قبل سقوط حاجب الشمس بدقائق معدودة، فإن هذا الصوم يبطل، وعليها أن تقضي هذا اليوم، ولها أن تأكل وأن تشرب، حتى ولو لم يسقط حاجب الشمس؛ لأنها لا تعتد بصوم هذا اليوم؛ لأنه لا يصح صوم الحائض بحال.
الحالة الثانية: أنها تكون قد طهرت بعد الفجر بلحظة، أي: أصبحت حائضاً، وطلع الفجر وهي لم تطهر، ثم طهرت بعد الفجر، ولو بلحظة أو دقيقة، فإنها غير مطالبة بهذا الصوم؛ لأنها حال طلوع الفجر كانت حائضة، ولم تكن مخاطبة بصيام هذا اليوم، ويلزمها الإمساك إلى سقوط حاجب الشمس على الصحيح والراجح عند أهل التحقيق، ثم بعد ذلك تقضي هذا اليوم.
الحالة الثالثة: إذا طهرت قبل الفجر بلحظة فإنها تصوم، ويصح صومها، وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر؛ لأن الطهارة ليست شرطاً في الصوم.
والدليل على ذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً فينوي الصوم، ويصوم قبل أن يغتسل)
فإذا طهرت المرأة قبل الفجر ولو بلحظة، فقد أصبحت من أهل التكليف بالصوم، فتنوي الصيام وتغتسل ولو بعد طلوع الفجر.
قضاء الصيام في النصف الثاني من شعبان
الواجب على من كان عليه قضاء المبادرة بقضاء صيام ما عليه من أيام قبل دخول رمضان، فإن أخر القضاء لغير عذر حتى دخل رمضان التالي فقد أثم بذلك، وعليه مع القضاء فدية إطعام مسكين عن كل يوم أخر قضاءه في مذهب الجمهور
إن ابتداء الصيام في النصف الثاني من شعبان مختلف في جوازه بين أهل العلم، وخلاصة القول فيه أن من كان له عادة في الصيام أو كان عليه نذر صيام أو كان عليه قضاء من شهر رمضان السابق فهذا لا حرج عليه إن صام أول شعبان أو وسطه أو آخره
أما من لم تكن له عادة صيام ولا شيء مما تقدم ذكره فقد ذكر بعض أهل العلم أنه لا يشرع له ابتداء الصيام في النصف الثاني من شعبان لكن لو وصله بصيام بعض النصف الأول جاز له ذلك، قال المناوي في فيض القدير عند كلامه على حديث: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا،
للمزيد اقرأ: الفقه الاسلامي وأدلته