سنن الصيام
هل ترغب في الحصول على رضوان الله وتقواه، وأن يباعدك الله عن النار، وأن يحفظك من الشهوات وأن تدخل من باب الريان بفضل الله، فإذا أردت هذا الأجر الكبير والثواب العظيم فلتحقق الصيام بكل شروطه وأركانه واتباع سنن الصيام كما علمنا وأوصانا بها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا ننال محبة الله ورضاه وندخل جنان النعيم من باب الريان إن شاء الله
تعريف الصيام:
الصيام لغة: الإمساك والكف عن الشيء، قال: صام عن الكلام، أي أمسك عنه، قال تعالى إخباراً عن مريم: {إني نذرت للرحمن صوماً} [مريم:26/ 19] أي صمتاً وإمساكاً عن الكلام، وقال العرب: صام النهار: إذا وقف سير الشمس وسط النهار عند الظهيرة، الصيام شرعاً: هو الإمساك نهاراً عن المفطِّرات بنية من أهله من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.وسنتحدث الآن عن سنن الصيام
متى فرض الصيام
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} إلى قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً)
وقد أجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان
وقد فرض صيام رمضان بعد صرف القبلة إلى الكعبة في العاشر من شعبان في السنة الثانية من الهجرة بسنة ونصف، وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات في تسع سنين
فضل الصيام
- الأجر العظيم والثواب الكبير: قال الله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً}
- الصيام وقاية من النار: لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة) أي وقاية
- الصيام وقاية من الشهوات: لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)
- صيام يوم في سبيل الله يباعد الله النار عن وجه صاحبه سبعين سنة: لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صام يوماً في سبيل الله بعّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)
سنن الصيام وآدابه:
سنن الصيام وآدابه ما يأتي:
1 – السحور: من سنن الصيام السحور على شيء وإن قل ولو جرعة ماء، وتأخيره لآخر الليل، أما السحور: فللتقوي به على الصوم، كما دل عليه خبر الصحيحين: «تسحروا فإن في السَّحور بركة» وخبر الحاكم في صحيحه: «استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، وبقيلولة النهار على قيام الليل»
وخبر أحمد رحمه الله: «السحور بركة، فلا تدَعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين».
وأما تأخير السحور ما لم يقع في شك في الفجر، فلحديث الطبراني: «ثلاث من أخلاق المرسلين: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة» ولخبر الإمام أحمد: “لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور» وحديث: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”
2 – تعجيل الفطر: من سنن الصيام تعجيل الفطر عند تيقن الغروب وقبل الصلاة، ويندب أن يكون على رطب، فتمر، فحلو، فماء، وأن يكون وتراً ثلاثة فأكثر لحديث: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، والفطر قبل الصلاة أفضل، لفعله صلّى الله عليه وسلم.
ومن سنن الصيام كونه وتراً، لخبر أنس رضي الله عنه: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يفطر على رُطَبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتَمَرات، فإن لم تكن تمرات، حَسَا حَسَوات من ماء»
ويمكن التعجيل في غير يوم غيم، وفي حالة الغيم ينبغي تيقن الغروب والاحتياط حفظاً للصوم عن الإفساد، ورأى الشافعية أنه يحرم الوصال في الصوم: وهو صوم يومين فأكثر من غير أن يتناول بينهما في الليل مفطراً، للنهي عنه في الصحيحين، وعلة ذلك: الضعف، مع كون الوصال من خصوصياته صلّى الله عليه وسلم.
3 – الدعاء: من سنن الصيام الدعاء عقب الفطر بالمأثور: بأن يقول: «اللهم إني لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وعليك توكلت، وبك آمنت، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى. يا واسع الفضل اغفر لي، الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت”
وسنية الدعاء؛ لأن للصائم دعوة لا ترد، لحديث: «للصائم عند فطره دعوة لا تُرد» وصيغة الدعاء ثابتة هكذا في السنة، اقرأ أيضاً: شروط الصيام
4 – تفطير الصائمين: من سنن الصيام تفطير الصائمين ولو على تمرة أو شربة ماء أو غيرهما، والأكمل أن يشبعهم، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من فطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقُص من أجر الصائم شيء»
5- الاغتسال عن الجنابة والحيض والنفاس قبل الفجر: من سنن الصيام الاغتسال عن الحدث الأكبر قبل الفجر، ليكون على طهر من أول الصوم، وليخرج من خلاف أبي هريرة حيث قال: لا يصح صومه، وخشية من وصول الماء إلى باطن أذن أو دبر أو نحوه.
وبناء عليه: يكره عند الشافعية للصائم دخول الحمام من غير حاجة، لجواز أن يضره، فيفطر، ولأنه من الترفه الذي لا يناسب حكمة الصوم. فلو لم يغتسل مطلقاً صح صومه، وأثم من حيث الصلاة.
ولو طهرت الحائض أو النفساء ليلاً، ونوت الصوم وصامت، أو صام الجنب بلا غسل، صح الصوم، لقوله تعالى: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم} [البقرة:187/ 2] ولخبر الصحيحين المتقدم: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع، غير احتلام، ثم يغتسل، ويصوم» وأما خبر البخاري: «من أصبح جنباً فلا صوم له» فحملوه على من أصبح مجامعاً واستدام الجماع.
6 – كف اللسان والجوارح عن آثام الكلام: من سنن الصيام كف اللسان عن فضول الكلام والأفعال التي لا إثم فيها. وأما الكف عن الحرام كالغيبة والنميمة والكذب فيتأكد في رمضان، وهو واجب في كل زمان، وفعله حرام في أي وقت، اقرأ أيضاً: أحكام الصيام
وقال عليه السلام: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر» فإن شتم، سن في رمضان قوله جهراً: إني صائم، لحديث الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً: «إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم» أما في غير رمضان فيقوله سراً يزجر نفسه بذلك، خوف الرياء.
7 – ترك الشهوات المباحة: من سنن الصيام ترك الشهوات المباحة التي لا تبطل الصوم من التلذذ بمسموع ومبصر وملموس ومشموم كشم ريحان ولمسه والنظر إليه، لما في ذلك من الترفه الذي لا يناسب حكمة الصوم، ويكره له ذلك كله، كدخول الحمام.
8 – من سنن الصيام عند الشافعية: ترك الفصد والحجامة لنفسه ولغيره خروجاً من خلاف من فطَّر بذلك، ويسن بالاتفاق ترك مضغ البان (العلك غير المصحوب بسكر) وغيره لأنه يجمع الريق، ويؤدي للعطش، وترك ذوق الطعام أو غيره خوف وصول شيء إلى الحلق، وترك القبلة، وتحرم القبلة إن خشي فيها الإنزال.
أما كون الحجامة لا تفطر عند الشافعية فلأنه صلّى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، وأما حديث: «أفطر الحاجم والمحجوم» فهو منسوخ، وتفطر الحجامة عند الحنابلة.
9 – التوسعة على العيال (الأسرة): من سنن الصيام أيضاً التوسعة على الأسرة والإحسان إلى الأرحام، والإكثار من الصدقة على الفقراء والمساكين، لخبر الصحيحين: «أنه صلّى الله عليه وسلم كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل» والحكمة في ذلك تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة بدفع حاجاتهم.
10 – الاشتغال بالعلم وتلاوة القرآن: من سنن الصيام أيضاً أن يشتغل الصائم بالعلم وتلاوة القرآن ومدارسته، والأذكار والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم، كلما تيسر له ذلك ليلاً أو نهاراً.
لخبر الصحيحين: «كان جبريل يلقى النبي صلّى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن» ومثله كل أعمال الخير؛ لأن الصدقة في رمضان تعدل فريضة فيما سواه، فتضاعف الحسنات به.
11 – الاعتكاف: من سنن الصيام الاعتكاف لا سيما في العشر الأواخر من رمضان، لأنه أقرب إلى صيانة النفس عن المنهيات، وإتيانها بالمأمورات، ولرجاء أن يصادف ليلة القدر إذ هي منحصرة فيه
وروى مسلم أنه صلّى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره. وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر» أي اعتزل النساء.
ومن سنن الصيام إحياء ليلة القدر وأن يقول: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» ويكتمها ويحييها ويحيي يومها كليلتها.
هذه هي سنن الصوم، أفاض في بيانها الشافعية والحنابلة وغيرهم،
سنن الصيام عند الحنفية:
اقتصر الحنفية على القول باستحباب ثلاثة أمور:
- السحور: يستحب تأخير السحور، للتقوي على الصوم، لحديث البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة)
- تأخير السحور: وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الامام أحمد في تأخير السحور وأنه من سنن الصيام (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور)
- وتعجيل الفطر في غير يوم غيم: في حالة الغيم ينبغي تيقن الغروب والاحتياط حفظاً للصوم عن الافساد
سنن الصيام عند المالكية:
سنن الصيام:
- السحور وتعجيل الفطر: يستحب تأخير السحور، للتقوي على الصوم، لحديث البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة)
ويندب أن يكون الفطور على رطب، فتمر، فحلو، فماء، وأن يكون وتراً ثلاثة فأكثر لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) - وتأخير السحور: وحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الامام أحمد في تأخير السحور وأنه من سنن الصيام (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور)
- وحفظ اللسان والجوارح،
- والاعتكاف في آخر رمضان.
سنن الصيام عند الشافعية:
- ترك الفصد والحجامة لنفسه وغيره
- ترك مضغ العلك غير المصحوب بسكر لأنه يجمع الريق، ويؤدي للعطش
- ترك ذوق الطعام أو غيره خوف وصول شيء إلى الحلق
- ترك القبلة إن خشي فيها الانزال
للمزيد اقرأ: الفقه الاسلامي وأدلته
سنن الصيام عند الحنابلة:
لقد توسع الشافعية والحنابلة في سنن الصيام يمكنكم الاطلاع أكثر في كتب الحنابلة عن سنن الصيام مثل كتاب المغني لابن قدامة للتعرف أكثر على سنن الصيام وآدابه
خاتمة مقالة سنن الصيام في المذاهب الأربعة:
الصيام هو سبيل لرضوان الله وتقواه، وسبب لأن يباعدك الله عن النار، وهو حفظ عن الشهوات وسبب لدخول باب الريان بفضل الله، فإذا أردت هذا الأجر الكبير والثواب العظيم فلتحقق الصيام بكل شروطه وأركانه واتباع سنن الصيام كما علمنا وأوصانا بها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا ننال محبة الله ورضاه وندخل جنان النعيم من باب الريان إن شاء الله