الهجرة النبوية باختصار
إن الهجرة النبوية باختصار كرمت وشرفت وصارت أروع حدث في التاريخ الإنساني كله، تجسد الهجرة النبوية باختصار حقيقة التضحية لدين الله عز وجل، كما يجسد قيمة الحب لهذا الدين، وصاحب الهجرة عليه الصلاة والسلام
الهجرة النبوية باختصار ليست وسيلة للراحة، وإنما هي أسلوب من أساليب نشر الدعوة، وطريقة للمحافظة عليها من بغي الباغين، وعدوان الطغاة المجرمين، ولهذا كانت الهجرة سبيل الأنبياء من قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرتادون فيها الأرض الخصبة التي تحتضن الدعوة، ويبحثون أثناءها عن البذور الطيبة الصالحة للإخصاب
قال تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا إن الله عزيز حكيم} بهذه الآيات البينات ذكر الله عز وجل موضوع الهجرة النبوية باختصار، وصديق عمره الذي رافقه في الهجرة النبوية، وكيف أمده الله بالسكينة والصبر حتى أكرمه الله بالوصول للمدينة النبوية
ما هي أسباب الهجرة النبوية باختصار؟
- تعذيب المشركين للمسلمين وخاصة الضعفاء منهم من أهم أسباب الهجرة النبوية باختصار
- الفرار بالنفس والسلامة من القتل، كذلك من أسباب الهجرة النبوية باختصار
- حصار قريش للمسلمين بعد وفاة عم النبي صلى الله عليه وسلم ووفاة خديجة رضي الله عنها، حتى أكلوا ورق الشجر
- تآمر المشركين على قتل الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهذا السبب يعتبر من أهم أسباب الهجرة النبوية باختصار
كيف تآمر المشركين على قتل الحبيب؟
اجتمعت قريش وتآمرت في دار الندوة على قتل الحبيب صلى الله عليه وسلم، وعند اجتماعهم طرق عليهم الباب، فإذا بشيخ يرتدي ثياب أهل نجد فقالوا: من أنت وماذا تريد؟
قال: أنا رجل من أهل نجد، علمت باجتماعكم ولن تعدموا مني رأياً، فسمحوا له بالدخول، وكانوا يعرفون أن أهل نجد أهل رأي ومشورة، وكان هذا شيطاناً في صورة إنسان، فقال: علمت أنكم اجتمعتم من أجل محمد، قالوا: نعم، قال: ماذا عندكم؟
قال واحد منهم: نحبسه ونقيده ونتركه حتى يموت، وقال آخر: نخرجه بعيداً عنا ونستريح منه، فإذا بهذا يقول: كل هذه آراء غير سليمة، فقال آخر: نقتله ونستريح، قال: بنو هاشم لا يتركون دمه، وإذا أنتم حبستموه فسيأتي بنو هاشم ويخلصونه،
وإن أنتم أخرجتموه فبحلاوة كلامه وطلاوة لسانه سيألب الناس عليكم، ثم يعود ويغزوكم بمن معه، وإن قتلتموه قاتلتكم بنو هاشم، قالوا: ما هو الرأي عندك؟
قال: الرأي عندي أن تندبوا عشرة شباب من عشرة قبائل، ويبيتونه على باب بيته، فإذا خرج ضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، ولا تستطيع بنو هاشم أن تقاتل القبائل كلها، فإذا تفرق دمه في القبائل فسيقولون: نريد دم ولدنا، فتقولون: نحن كلنا قتلناه، فيتركون طلب القصاص، ويرضون بالدية، والدية دية واحدة،
قالوا: هذا هو الرأي، قال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}، يثبتوك: أي يحبسوك
هذه قصة الهجرة النبوية باختصار حول تآمر المشركين ضد النبي عليه الصلاة والسلام
ما مصير النبي بعد اتفاق قريش على قتله؟
سنكمل قصة الهجرة النبوية باختصار عن مصير النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن اتفق المشركون على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فماذا كانت النتيجة؟ رب العزة لم يتخل عن حبيبه، وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (لا تبت في فراشك الليلة)
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينام مكانه، وخرج صلى الله عليه وسلم تحت ظلال تلك السيوف، وهو يقرأ قوله تعالى: (وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون)
وكانوا عشرة قد ألقى الله عليهم النعاس، وكانوا واقفين مستندين على الجدران، والسيوف في أيديهم، فمر من أمامهم ولم يره أحد منهم، ولم يخرج ويتركهم في حالهم، بل أخذ التراب من تحت أقدامهم وجعله على رؤوسهم، زيادة في إذلالهم، واعتزازاً بدين الله
مقدمات الهجرة النبوية باختصار
من أهم مقدمات الهجرة النبوية باختصار سنذكرها:
- خروجه صلى الله عليه وسلم على الطائف
- مجيء أناس من الأوس والخزرج كانوا يسمعون من اليهود بقرب مبعث نبي سينتمون إليه، ويقاتلون العرب معه ويستأصلونهم
- تنبؤ النبي صلى الله عليه وسلم بمكان الهجرة
لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم دار هجرته كما قال: (أريت دار هجرتي، أرضاً سبخة ذات نخيل، وأراها هجر، أو يثرب)، هجر: هي الأحساء، ويثرب: المدينة المنورة
خطة الهجرة النبوية باختصار
سنذكر خطة الهجرة النبوية باختصار، وهي تبدأ بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (ما كانت تمر ليلة ويخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إلى بيت أبي بكر إما عشية أو صباحاً)
تقول: (وفي ظهيرة يوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا وما كان يأتي في مثل تلك الساعة، فلما دخل وسلم تنحى له أبو بكر عن سريره وأجلسه بجواره، فقال صلى الله عليه وسلم: أخرج عنا من هنا، فقال أبو بكر: يا رسول الله ما هما إلا ابنتاي، وما عليهم بأس،
فقال صلى الله عليه وسلم: لقد أذن لي في الهجرة، فقال أبو بكر: الرفقة يا رسول الله، قال: نعم، قالت: عائشة: والله ما رأيت إنساناً يبكي فرحاً كبكاء أبي بكر في ذلك اليوم، فقال أبو بكر: يا رسول الله، فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالثمن)
إعدادات الهجرة النبوية باختصار
من إعدادات الهجرة النبوية باختصار،
- قالت عائشة: فقمنا بتجهيز الراحلتين أحث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت بذات النطاقين
- ذهب أبو بكر وبحث عن الدليل للطريق الذي يؤتمن على السر ويقوم بالخدمة، فجاء إلى عبد الله بن أريقط وكان على دين قومه، ولكنه معروف مشهور بالأمانة والوفاء، وبمعرفة الطريق، فأعطاه الرواحل وواعده عند الغار بعد ثلاثة أيام
- انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأمره أن يتخلف بعده بمكة ريثما يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، إذ لم يكن أحد من أهل مكة له شيء يخشى عليه إلا استودعه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من صدقه وأمانته
- أمر أبو بكر ابنه أن يتسمع لهما ما يقوله الناس عنهما في بياض النهار، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون معه من الأخبار
- أمر أبا بكر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره، ثم يريحهما عليهما إذا أمسى، إلى غار ثور، ليطعما من ألبانها
- أمر أبا بكر ابنته أسماء أن تأتيهما من الطعام بما يصلحهما في كل مساء
خبر سراقة بخبر النبي عليه الصلاة والسلام
انطلق المشركون ينتشرون في البحث عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا إلى غار ثور، وسمع الرسول وصاحبه أقدام المشركين تخفق من حولهم، فأخذ الروع أبا بكر وهمس يحدث النبي صلى الله عليه وسلم: “لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا”
فأجابه عليه الصلاة والسلام: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)
فأعمى الله أبصار المشركين حتى لم يحن لأحد منهم التفاتة إلى ذلك الغار، ولم يتساءل أحد عما يكون بداخله، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر مع عبد الله بن أرقط إلى المدينة
وبينما هم في الطريق لحق بهم سراقة بن جعشم، وقد سمع بأن شخصاً رأى أسودة بالساحل، فعرف سراقة أنهم هم، فركب فرسه ثم سار حتى دنا من الرسول فعثرت به الفرس فخر عنها، ثم ركبها ثانية وسار حتى صار يسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات،
فساخت قائمتا فرس سراقة في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخر عنها ثم زجرها حتى نهضت، فلم تكد تخرج يديها حتى سطع لأثرهما غبارا ارتفع في السماء مثل الدخان، فعلم سراقة أنه ممنوع عن رسول الله وداخله رعب عظيم، فناداهما بالأمان
فوقف عليه الصلاة والسلام ومن معه حتى وصل إليهم، فاعتذر إليه وسأله أن يستغفر له، ثم عرض عليهما الزاد والمتاع، فقالا له: لا حاجة لنا، ولكن عم عنا الخبر، فقال: كفيتم
ثم عاد سراقة لمكة وهو يصرف أنظار الناس عن الرسول ومن معه بما يراه من القول
دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة
وصل رسول الله قباء لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول، وأصبح الأنصار كل يمسك زام راحلته يرجو النزول عنده فكان صلى الله عليه وسلم يقول لهم: “دعوها فإنها مأمورة”
فلم تزل راحلته تسير في فجاج المدينة وسككها حتى وصلت إلى مربد لغلامين يتيمين من بني النجار أمام دار أبي أيوب الأنصاري، فقال صلى الله عليه وسلم: “ههنا المنزل إن شاء الله”
من روائع الحبّ عن قصة الهجرة النبوية باختصار
ولم يزل الحبّ منذ فطر الله الإنسان ملهما للدقائق العجيبة، باعثا على الإشفاق على من تعلّق به القلب وأحبّته النفس، وهذا كان شأن أبي بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة.
- وقد روي أنّه لمّا انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار ومعه أبو بكر، كان يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا بكر! ما لك تمشي ساعة خلفي وساعة بين يديّ؟» فقال: يا رسول الله! أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثمّ أذكر الرّصد فأمشي بين يديك
فلمّا انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله! حتّى أستبرىء لك الغار، فدخل فاستبرأه، حتى إذا كان، ذكر أنّه لم يستبرىء الحجرة، فقال: مكانك يا رسول الله! حتى أستبرىء فدخل فاستبرأ، ثمّ قال: انزل يا رسول الله! فنزل
- [ولله جنود السموات والأرض:]
ودخلا الغار، وبينما هما كذلك إذ بعث الله العنكبوت، فنسجت ما بين الغار والشجرة التي كانت على وجه الغار، وسترت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وأمر الله حمامتين وحشيتين، فأقبلتا تدفّان حتّى وقعتا بين العنكبوت وبين الشجرة،
فحقيقة الهجرة النبوية باختصار هي التضحية والحب لدين الله عز وجل، فلم تمكن الأمة ولن تنصر إلا إذا ضحت بالأرواح والأبدان والأزواج والأولاد والأموال لنصرة دين الله
فالحب ليس كلمات تقال في الهواء، وإنما الحب اتباع، قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}
للمزيد اقرأ: فقه السيرة النبوية