الدروس المستفادة من غزوة تبوك
غزوة تبوك الابتلاء والاختبار والامتحان، غزوة تبوك التوبة الصادقة، غزوة تبوك تمحيص المسلم من المنافق، غزوة تبوك التسليم لأمر الله ورسوله، ما هي قصة غزوة تبوك، وما هو سببها، ومن هم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك؟ وذكرهم الله في قرآنه، وما هي الدروس المستفادة من غزوة تبوك لنتعرف عليها بعون الله تعالى
سبب غزوة تبوك
سبب غزوة تبوك كما رواها ابن سعد وغيره: “أنه بلغ المسلمين من الأنباط الذين كانوا يتنقلون بين الشام والمدينة للتجارة، أن الروم قد جمعت جموعاً وأجلبت إلى جانبها لخم وجذام وغيرهم من نصارى العرب الذين كانوا تحت إمرة الروم، ووصلت طلائعهم إلى أرض البلقاء، فندب النبي صلى الله عليه وسلم للخروج
وذكر المؤرخون أن سبب غزوة تبوك كما ذكر ابن سعد: “أن هرقل جمع جموعاً من الروم وقبائل العرب الموالية لها، وأن المسلمين علموا بخبرهم فخرجوا إلى تبوك
وذكر اليعقوبي أن سبب غزوة تبوك هو الثأر لجعفر بن أبي طالب لكن الصحيح أن سبب غزوة تبوك هو استجابة طبيعية لفريضة الجهاد
وقد نبه على ذلك الحافظ بن كثير بقوله: “فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال الروم، لأنهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدعوة إلى الحق لقربهم إلى الإسلام وأهله”
وقد قال الله تعالى: {يا أيها الين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين}
ولا صحة لما قيل أن سبب غزوة تبوك كان عن مشورة يهود وقولهم أنها أرض المحشر وأرض الأنبياء، تغريراً بالمسلمين ليخرجوهم من المدينة، ويعرضوهم لخطر المواجهة مع الروم، وأن الآية {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها} نزلت في ذلك، إن الخبر في ذلك مرسل ضعيف
ما يميز غزوة تبوك بأن وجهتها إلى الروم ونصارى العرب، في حين كانت الغزوات والسرايا الأخرى وجهتها إلى اليهود، هذا هو سبب غزوة تبوك، وسنتعرف على تاريخ غزوة تبوك والدروس المستفادة من غزوة تبوك
تاريخ غزوة تبوك
تاريخ غزوة تبوك كان في شهر رجب سنة تسع من الهجرة
ذكر ابن إسحاق أن تاريخ غزوة تبوك بعد أن أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب يعني من سنة تسع، ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم
وبالتحديد كان تاريخ غزوة تبوك بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بثمان سنين، وستة أشهر، وخمسة أيام غزا غزوة تبوك
هذا تاريخ غزوة تبوك، وسنتعرف على قصة غزوة تبوك، والدروس المستفادة من غزوة تبوك
قصة غزوة تبوك
يذكر علماء السيرة في قصة غزوة تبوك أن الفصل كان صيفاً، وقد بلغ الحر أقصاه، والناس في عسرة من الجيش، وكانت ثمار المدينة قد أينعت وطابت، فمن أجل ذلك أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجهة التي سيتجهون إليها، وذلك على خلاف عادته في الغزوات الأخرى
فقد كانت غزوة تبوك ثقيلة على النفس، فيها أقسى مظاهر الابتلاء والامتحان، فأخذ نفاق المنافقين يعلن عن نفسه هنا وهناك، على حين أخذ الايمان الصادق يعلن عن نفسه في صدور أصحابه
فأخذ أقوام من المنافقين يقولون لبعضهم: “لا تنفروا في الحر”، والأخر يقول: “ائذن لي ولا تفتني، فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجباً بالنساء مني، وإني خشيت إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر”
أما عبد الله بن أبي بن سلول عسكر في ضاحية المدينة مع فئات من أصحابه وحلفائه، فلما سار النبي صلى الله عليه وسلم، تخلف بكل من معه
الصحابي الذي تبرع بكل ماله في غزوة تبوك
أما المؤمنون فأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل صوب، وكان قد حض أهل الغنى على النفقة، فجاء الكثيرون منهم بكل ما أمكنهم من المال والعدة
وجاء عثمان رضي الله عنه بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، الأحلاس: هو الكساء الذي يوضع على ظهر البعير، وجاء بألف دينار نثرها في حجره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يضر عثمان ما فعل بعدها)
وجاء أبو بكر رضي الله عنه بكل ماله، وجاء عمر بنصف ماله، كما روى الترمذي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: “سمعت عمر بن الخطاب يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، ووافق ذلك عندي مالاً، فقلت اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوماً، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أبقيت لأهلك”؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً”
وأقبل رجال من المسلمين أطلق عليهم “البكاؤون” يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهوراً يركبونها للخروج إلى الجهاد معه، فقال لهم: “لا أجد ما أحملكم عليه” فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقونه في أسباب خروجهم للغزو
بعد أن تعرفنا على قصة غزوة تبوك، يا ترى كم كان عدد المسلمين في غزوة تبوك، وما هي الدروس المستفادة من غزوة تبوك
كم كان عدد المسلمين في غزوة تبوك
كان عدد المسلمين في غزوة تبوك ما يقارب ثلاثين ألفاً من المسلمين، وتخلف عنه نفر من المسلمين عن غير شك ولا ارتياب، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وقيل: سباع بن عرفطة، وقيل: علي بن أبي طالب رضي الله عنه
والصحيح أن علي رضي الله عنه كان خليفة له على النساء والذرية، ولهذا لما آذاه المنافقون فقالوا: “تركه على النساء والذرية، لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه ذلك، فقال: “ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي”
والآن سنتعرف على الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك، والدروس المستفادة من غزوة تبوك
من هم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك
الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك هم: كعب بن مالك، مرارة بن الربيع، هلال بن أمية، وأبو خيثمة، وكانوا نفر صدق لا يتهم في إسلامهم، غير أن أبا خيثمة لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك
روى الطبراني أن أبا خيثمة زجع، بعد أن سار النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أيام، بعدة أيام إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين أي خيمتين لهما في بستان له، قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له ماء فيه، وهيأت له فيه طعاماً، فما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له،
فقال: “رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشمس والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم؟ ماهذا والله بالنصف، ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيأتا له زاداً، ثم قدم ناضحة فارتحله وخرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك،
ولما دنا أبو خيثمة من المسلمين قالوا: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كن أبا خيثمة”، فقالوا: يا رسول الله هو والله أبو خيثمة، فما أناخ أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عليه الصلاة والسلام: أولى لك يا أبا خيثمة، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فدعا له صلى الله عليه وسلم بخير”
أما الثلاثة: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامهم، واجتنبهم الناس حتى تنكرت لهم الأرض، وظلوا خمسين عاماً لا يكلمهم أحد حتى تاب الله عليهم ونزلت الآيات في توبتهم
والآن يا ترى ما هي نتائج غزوة تبوك؟ وما هي الدروس المستفادة من غزوة تبوك؟
نتائج غزوة تبوك
عانى المسلمون في غزوة تبوك جهوداً شاقة وأتعاباً جسيمة، كما روى الامام أحمد وغيره أن الرجلين والثلاثة كانوا يتعاقبون على بعير واحد، وأصابهم عطش شديد حتى جعلوا ينحرون إبلهم لينفضوا أكراشها ويشربوا ماءها
ولما انتهوا إلى تبوك كان نتائج غزوة تبوك أنهم لم يجدوا هناك كيداً ولا قتالاً، فقد اختفى وتفرق أولئك الذين كانوا قد تجمعوا للقتال، ثم أتاه يوحنه حاكم (أيلة) فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه أيضاً الجزية، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك لهم كتابا
وقدم المدينة عليه الصلاة والسلام في رمضان من السنة نفسها، فيكون قد غاب قرابة شهرين
والآن هل تعرفون ما هو الاسم الآخر الذي أطلق على غزوة تبوك؟ وما هي الدروس المستفادة من غزوة تبوك
اسم اطلق على الجيش في غزوة تبوك
لقد ورد في السيرة النبوية اسم اطلق على الجيش في غزوة تبوك يسمى (غزوة العسرة)، ولقد ذكر هذا الاسم في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة}
والآن ما هو سبب تسمية غزوة تبوك بالعسرة؟ وما هي الدروس المستفادة من غزوة تبوك
لماذا سميت غزوة تبوك بغزوة العسرة
قد سميت غزوة تبوك بغزوة العسرة لأنها مرت بظروف صعبة على المسلمين، حيث كان الفصل صيفاً والحر شديداً والثمار قد أينعت على المسلمين، وأيضا بعد مسافة الأعداء وقلة السلاح والعتاد والزاد كان سبب رئيسي في تسميتها بغزوة العسرة
بعد أن تعرفنا عن سبب تسميتها بالعسرة، في أي سورة ذكرت غزوة تبوك، وما هي الدروس المستفادة من غزوة تبوك
في اي سورة ذكرت غزوة تبوك
غزوة تبوك من الغزوات العظيمة التي امتحن الله بها عباده المسلمين، فالعدو كثير، والسلاح والزاد والعتاد قليل، ولذلك ذكر القرآن الكريم غزوة تبوك في سورة التوبة في أكثر من موضع:
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}
كما ذكر الله تعالى الثلاثة الذين خلفوا وتوبة الله عليهم فقال تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}
والآن حان الوقت لنتعرف على الدروس المستفادة من غزوة تبوك
الدروس المستفادة من غزوة تبوك
غزوة تبوك لها أهمية كبيرة والدروس المستفادة من غزوة تبوك لا تعد ولا تحصى منها:
- أهمية الجهاد بالمال: من الدروس المستفادة من غزوة تبوك أهمية الجهاد بالمال، فالجهاد ليس محصوراً بالخروج للغزو، وإنما الجهاد في سبيل الله يكون بالمال، ولهذا مدح النبي صلى الله عليه وسلم عثمان عندما أنفق ثلاثمائة بعير، ومئتي أوقية من الفضة حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم”
هذا أول درس من الدروس المستفادة من غزوة تبوك
- خطر المنافقين على الإسلام والمسلمين: من الدروس المستفادة من غزوة تبوك خطر المنافقين على الإسلام، وإيضاح أن الإسلام دعوى لا بد أن يصدقها الجهاد والتعرض للمحن، حتى يتميز الصادق عن الكاذب، ويمحص إيمان المؤمنين عن دجل المنافقين، وهذا درس هام من الدروس المستفادة من غزوة تبوك
- أخذ الجزية من أهل الكتاب: من الدروس المستفادة من غزوة تبوك دليل على مشروعية أخذ الجزية من أهل الكتاب، وأنهم يحمون بذلك دماءهم وأموالهم، والجزية ضريبة مالية تقوم بالنسبة لأهل الكتاب مقام الزكاة بالنسبة للمسلمين، وهو درس هام أيضاً من الدروس المستفادة من غزوة تبوك
- يكره دخول أرض الأمم الذين أهلكهم الله: من الدروس المستفادة من غزوة تبوك أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك مرّ بمنازل ثمود فكره لأصحابه أن يدخلوا ديار الأمم الخالية ممن أهلكهم الله بكفرهم، أو أن يمر على شيء من آثارهم، إذ هي منازل شهدت مظهراً من غضب الله تعالى، ولا ريب أن الله عز وجل إنما ترك هذه الآثار في الأرض لتكون عبرة لأولي الالباب والأبصار، وهذا درس هام يجهله الكثير من الدروس المستفادة من غزوة تبوك
- الفرق بين سياسة النبي مع المؤمنين وبين المنافقين: من اهم الدروس المستفادة من غزوة تبوك أن المسلم قد يتساءل لماذا عاقب النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك مع أنهم صدقوا، ولم يعاقب المنافقين على الرغم من كذبهم؟
الجواب: أن الشدة والقسوة في هذا المقام مظهر للإكرام والتشريف، وهو يجب أن لا يحظى به المنافقين
قال ابن القيم: “يؤدب الله عبده المؤمن الذي يحبه وهو كريم عنده، بأدنى زلة وهفوة، فلا يزال مستيقظاً حذراً، وأما من سقط من عين الله وهان عليه فإنه يخلي بينه وبين معاصيه، وكلما أحدث ذنباً أحدث له نعمة”، وهذا درس تربوي هام من الدروس المستفادة من غزوة تبوك
- مشروعية الهجر لسبب ديني: من الدروس المستفادة من غزوة تبوك مشروعية الهجر لسبب ديني، يقول كعب بن مالك رضي الله عنه: “فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول هل حرك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا”، وهذا درس رائع من الدروس المستفادة من غزوة تبوك
- نذر المال كله في سبيل الله: من الدروس المستفادة من غزوة تبوك أن كعب بن مالك رضي الله عنه عندما قبل الله توبته نذر ماله كله صدقة على المساكين، فقال كعب رضي الله عنه: “إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “أمسك عليك بعض مالك”
فذهب الحنفية ما عدا زفر أن الرجل إذا نذر ماله كله صدقة على المساكين، لم يلزمه التصدق إلا بالأموال الزكوية فقط، وهذا درس فقهي رائع من الدروس المستفادة من غزوة تبوك
للمزيد أكثر عن الدروس المستفادة من غزوة تبوك اقرأ: فقه السيرة النبوية