اختلاف المطالع في رؤية الهلال
طلب رؤية هلال رمضان وترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، فرض على الكفاية، نص على ذلك الحنفية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)، وقد حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته على رؤية هلال رمضان فكانوا يتراءونه بدليل حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)، وتتردد أقوال الفقهاء في طريق إثبات هلال رمضان وشوال بين اتجاهات ثلاثة: رؤية جمع عظيم، ورؤية مسلمين عدلين، ورؤية رجل عدل واحد.
إثبات هلال رمضان وشوال عند الحنفية:
أـ إذا كانت السماء صحواً: فلا بد من رؤية جمع عظيم لإثبات رمضان، والفطر أو العيد، ومقدار الجمع: من يقع العلم الشرعي (أي غلبة الظن) بخبرهم، وتقديرهم مفوض إلى رأي الإمام في الأصح؛ واشتراط الجمع لأن المَطْلع متحد في ذلك المحل، والموانع منتفية، والأبصار سليمة، والهمم في طلب الهلال مستقيمة، فالتفرد في الرؤية من بين الجم الغفير مع ذلك ظاهر في غلط الرأي، ولا بد من أن يقول الواحد منهم في الإدلاء بشهادته:” أشهد”
ب ـ وأما إذا لم تكن السماء صحواً بسبب غيم أو غبار ونحوه، فيكتفي الإمام في رؤية الهلال بشهادة مسلم واحد عدل عاقل بالغ، (والعدل: هو الذي غلبت حسناته سيئاته) أو مستور الحال في الصحيح، رجلاً كان أو امرأة، حراً أم غيره، لأنه أمر ديني، فأشبه رواية الأخبار. ولا يشترط في هذه الحالة أن يقول: «أشهد» وتكون الشهادة في المدينة أمام القاضي، وفي القرية في المسجد بين الناس.
وتجوز الشهادة على الشهادة، فتصح الشهادة أمام القاضي بناء على شهادة شخص آخر رأى الهلال
ومن رأى الهلال وحده، صام، وإن لم يقبل الإمام شهادته، فلو أفطر وجب عليه القضاء دون الكفارة.
ولا يعتمد على ما يخبر به أهل الميقات والحساب والتنجيم، لمخالفته شريعة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم؛ لأنه وإن صح الحساب أو الرصد، فلسنا مكلفين شرعاً إلا بالرؤية العادية.
إثبات هلال رمضان عند المالكية
إثبات هلال رمضان بالرؤية على أوجه ثلاثة هي ما يأتي:
- أن يراه جماعة كثيرة وإن لم يكونوا عدولاً: وهم كل عدد يؤمن في العادة تواطؤهم على الكذب. ولا يشترط أن يكونوا ذكوراً أحراراً عدولاً.
- أن يراه عَدْلان فأكثر: فيثبت بهما الصوم والفطر في حالة الغيم أو الصحو.
والعدل: هو الذكر الحر البالغ العاقل الذي لم يرتكب معصية كبيرة ولم يصر على معصية صغيرة، ولم يفعل ما يخل بالمروءة.
فلا يجب الصوم في حالة الغيم برؤية عدل واحد أو امرأة أو امرأتين على المشهور، ويجب الصوم قطعاً على الرائي في حق نفسه. وتجوز الشهادة بناء على شهادة العدلين إذا نقل الخبر عن كل واحد اثنان، ولا يكفي نقل واحد. ولا يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم لفظ “أشهد”
- أن يراه شاهد واحد عدل: فيثبت الصوم والفطر له في حق العمل بنفسه أو في حق من أخبره ممن لا يعتني بأمر الهلال، ولا يجب على من يعتني بأمر الهلال الصوم برؤيته، ولا يجوز الإفطار بها، فلا يجوز للحاكم أن يحكم بثبوت الهلال برؤية عدل فقط. ولا يشترط في الواحد الذكورة ولا الحرية. فإن كان الإمام هو الرائي وجب الصوم والإفطار.
ويجب على العدل أو العدلين رفع الأمر للحاكم أنه رأى الهلال ليفتح باب الشهادة، ولأنه قد يكون الحاكم ممن يرى الثبوت بعدل.اقرأ أيضاً: ليلة القدر
إثبات هلال شوال عند المالكية
أما هلال شوال: فيثبت برؤية الجماعة الكثيرة التي يؤمن تواطؤها على الكذب ويفيد خبرها العلم أو برؤية العدلين كما هو الشأن في إثبات هلال رمضان.
ولا يثبت الهلال بقول منجّم أي حاسب يحسب سير القمر، لا في حق نفسه ولا غيره؛ لأن الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال، لا بوجوده إن فرض صحة قوله، فالعمل بالمراصد الفلكية وإن كانت صحيحة لا يجوز، ولا يطلب شرعاً، اقرأ أيضاً: شروط الصيام
إثبات هلال رمضان وشوال عند الشافعية:
إثبات هلال رمضان وشوال عند الشافعية أو غيرهما بالنسبة إلى عموم الناس برؤية شخص عدل، ولو مستور الحال، سواء أكانت السماء مصحية أم لا، بشرط أن يكون الرائي عدلاً مسلماً بالغاً عاقلاً حراً ذكراً، وأن يأتي بلفظ «أشهد» فلا تثبت برؤية الفاسق والصبي والمجنون والعبد والمرأة.
ودليلهم: أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رأى الهلال، فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك، فصام وأمر الناس بصيامه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «جاء أعرابي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت هلال رمضان، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: تشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: يا بلال، أذن في الناس، فليصوموا غداً»
أما الرائي نفسه فيجب عليه الصوم، ولو لم يكن عدلاً (أي فاسقاً) أو كان صبياً أو امرأة أو كافراً، أو لم يشهد عند القاضي، أو شهد ولم تسمع شهادته، كما يجب الصوم على من صدقه ووثق بشهادته.
وإذا صمنا برؤية عدل، ولم نر الهلال ثلاثين، أفطرنا في الأصح، وإن كانت السماء صحواً، لكمال العدد بحجة شرعية.
إثبات هلال رمضان عند الحنابلة
إثبات هلال رمضان عند الحنابلة حيث يقبل في إثبات هلال رمضان قول مكلف عدل واحد ظاهراً وباطناً ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً، ولو لم يقل: أشهد أو شهدت أني رأيته، فلا يقبل قول مميز ولا مستور الحال لعدم الثقة بقوله في الغيم والصحو، ولو كان الرائي في جمع كثير ولم يره منهم غيره.
ودليلهم الحديث المتقدم أنه صلّى الله عليه وسلم صوَّم الناس بقول ابن عمر، ولقبوله خبر الأعرابي السابق به، ولأنه خبر ديني وهو أحوط، ولا تهمة فيه، بخلاف آخر الشهر، ولاختلاف حال الرائي والمرئي، فلو حكم حاكم بشهادة واحد، عمل بها وجوباً.
ولا يعتبر لوجوب الصوم لفظ الشهادة، ولا يختص بحاكم، فيلزم الصوم من سمعه من عدل. ولا يجب على من رأى الهلال إخبار الناس أو أن يذهب إلى القاضي أو إلى المسجد. ويجب الصوم على من ردت شهادته لفسق أو غيره، لعموم الحديث: «صوموا لرؤيته» ولا يفطر إلا مع الناس؛ لأن الفطر لا يباح إلا بشهادة عدلين.
ولا يجب الصوم – كما تقدم – بالحساب والنجوم ولو كثرت إصابتها، لعدم استناده لما يعول عليه شرعاً.
ولا يقبل في إثبات بقية الشهور كشوال (من أجل العيد) وغيره إلا رجلان عدلان، بلفظ الشهادة؛ لأن ذلك مما يطلع عليه الرجال غالباً، وليس بمال ولا يقصد به المال.
وإنما ترك ذلك في إثبات رمضان احتياطاً للعبادة. وإذا صام الناس بشهادة اثنين: ثلاثين يوماً، فلم يروا الهلال، أفطروا، سواء في حال الغيم أو الصحو، لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب السابق أن النبي صلّى الله عليه وسلم: «وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا»
ولا يفطروا إن صاموا الثلاثين يوماً بشهادة واحد، لأنه فطر، فلا يجوز أن يستند إلى واحد، كما لو شهد بهلال شوال.
وإن شهد شاهدان عند الحاكم برؤية هلال شوال: فإن رد الحاكم شهادتهما، لجهله بحالهما، فلمن علم عدالتهما الفطر؛ لأن رده ههنا ليس بحكم منه بعدم قبول شهادتهما، إنما هو توقف لعدم علمه بحالهما، فهو كالتوقف عن الحكم انتظاراً للبينة، فلو ثبتت عدالتهما بعد ذلك ممن زكاهما حكم بها، لوجود المقتضي، وأما إن رد الحاكم شهادتهما لفسقهما، فليس لهما ولا لغيرهما الفطر بشهادتهما.
تلخيص أقوال الفقهاء في كيفية إثبات هلال رمضان وشوال
إن الحنفية يشترطون لإثبات هلال رمضان وشوال رؤية جمع عظيم إذا كانت السماء صحواً، وتكفي رؤية العدل الواحد في حال الغيم ونحوه. ولا بد عند المالكية من رؤية عدلين أو أكثر، وتكفي رؤية العدل الواحد عندهم في حق من لا يهتم بأمر الهلال.
وتكفي رؤية عدل واحد عند الشافعية والحنابلة، ولو مستور الحال عند الشافعية، ولا يكفي المستور عند الحنابلة، كما لا بد عند الحنابلة والمالكية من رؤية هلال شوال من عدلين لإثبات العيد.
وتقبل شهادة المرأة عند الحنفية والحنابلة، ولا تقبل عند المالكية والشافعية.
الحِسابُ الفَلَكِيُّ
لا يجوزُ العَمَلُ بالحسابِ الفَلَكِيِّ، ولا الاعتمادُ عليه، في إثباتِ دخولِ رَمَضانَ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صُومُوا لِرُؤيَتِه، وأفطِرُوا لرُؤيَتِه؛ فإن غُبِّيَ عليكم، فأكمِلُوا عِدَّةَ شَعبانَ ثلاثينَ))
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَرَ رَمضانَ فقال: ((لا تصومُوا حتى تَرَوُا الهلالَ، ولا تُفطِرُوا حتى تَرَوْه، فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له))
أوجه الدلالة:
1- أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعَلَ الحُكمَ بالهلالِ مُعلَّقًا على الرُّؤيةِ وَحدَها؛ فهي الأمرُ الطبيعيُّ الظَّاهِرُ الذي يستطيعُه عامَّةُ النَّاسِ، فلا يحصُلُ لبْسٌ على أحدٍ في أمرِ دينِه، كما جاء عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّا أمَّةٌ أميَّةٌ لا نكتُبُ، ولا نحسِبُ، الشَّهرُ هكذا وهكذا)) يعني مرَّةً تسعةً وعشرينَ، ومرَّةً ثلاثينَ
2- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ المسلمينَ إذا كان هناك غَيمٌ ليلةَ الثلاثينَ أن يُكمِلُوا العِدَّةَ، ولم يأمُرْ بالرُّجوعِ إلى عُلَماءِ الفَلَك، وقد جرى العَمَلُ في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعَهْدِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على ذلك، ولم يَرجِعُوا إلى علماءِ النُّجومِ في التوقيتِ،
ولو كان قَولُهم هو الأصلَ وَحدَه، أو أصلًا آخَرَ مع الرؤيةِ في إثباتِ الشَّهرِ؛ لَبُيِّنَ ذلك، فلما لم يُنقَلْ ذلك، بل نُقِلَ ما يخالِفُه، دلَّ على أنَّه لا اعتبارَ شَرعًا لِمَا سِوَى الرؤيةِ، أو إكمال العِدَّةِ ثلاثينَ في إثباتِ الشَّهرِ، وأن هذا شَرعٌ مُستمِرٌّ إلى يوم القيامةِ
3-الرؤيةُ في الحديثِ مُتعدِّيةٌ إلى مفعولٍ واحدٍ، فكانت بصريَّةً لا علميَّةً
4- كما أنَّ الصَّحابةَ فَهِمُوا أنَّها رؤيةٌ بالْعَينِ، وهم أعلَمُ باللُّغةِ ومقاصِدِ الشَّريعةِ من غَيرِهم
ثانيًا: من الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ذلك الجَصَّاصُ، وابنُ رُشدٍ، والقرطبيُّ وابنُ تيميَّةَ
اختلاف المطالع
اختلف الفقهاء على رأيين في وجوب الصوم وعدم وجوبه على جميع المسلمين في المشارق والمغارب في وقت واحد، بحسب القول باتفاق مطالع القمر أو اختلاف المطالع، ففي رأي الجمهور: يوحد الصوم بين المسلمين، ولا عبرة بما يسمى اختلاف المطالع.
وفي رأي الشافعية يختلف بدء الصوم والعيد بحسب اختلاف مطالع القمر بين مسافات بعيدة. ولا عبرة في الأصح بما قاله بعض الشافعية: من ملاحظة الفرق بين البلد القريب والبعيد بحسب مسافة القصر 89 كم
هذا مع العلم بأن اختلاف المطالع نفسه لا نزاع فيه، فهو أمر واقع بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشمس، ولا خلاف في أن للإمام الأمر بالصوم بما ثبت لديه؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف،
وأجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية جداً كالأندلس والحجاز، وأندونيسيا والمغرب العربي
اختلاف المطالع عند الحنفية:
اختلاف المطالع، ورؤية الهلال نهاراً قبل الزوال وبعده غير معتبر، على ظاهر المذهب، وعليه أكثر المشايخ، وعليه الفتوى، فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، إذا ثبت عندهم رؤية أولئك، بطريق موجب، كأن يتحمل اثنان الشهادة، أو يشهدا على حكم القاضي، أو يستفيض الخبر، بخلاف ما إذا أخبر أهل بلدة كذا رأوه؛ لأنه حكاية.
اختلاف المطالع عند المالكية:
قال المالكية إذا رئي الهلال، عمَّ الصوم سائر البلاد، قريباً أو بعيداً، ولا يراعى في ذلك مسافة قصر، ولا اتفاق المطالع، ولا عدمها، فيجب الصوم على كل منقول إليه، إن نقل ثبوته بشهادة عدلين أو بجماعة مستفيضة، أي منتشرة.
اختلاف المطالع عند الشافعية:
إذا رئي الهلال ببلد لزم حكمه البلد القريب لا البعيد، بحسب اختلاف المطالع في الأصح، واختلاف المطالع لا يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخاً
وإذا لم نوجب على البلد الآخر وهو البعيد، فسافر إليه من بلد الرؤية من صام به، فالأصح أنه يوافقهم وجوباً في الصوم آخراً، وإن كان قد أتم ثلاثين؛ لأنه بالانتقال إلى بلدهم، صار واحداً منهم، فيلزمه حكمهم، وروي أن ابن عباس أمر كُرَيْباً بذلك
ومن سافر من البلد الآخر الذي لم ير فيه الهلال إلى بلد الرؤية، عيَّد معهم وجوباً، لأنه صار واحداً منهم، سواء أصام ثمانية وعشرين يوماً، أم تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاماً عندهم، وقضى يوماً إن صام ثمانية وعشرين؛ لأن الشهر لا يكون كذلك.
ومن أصبح معيِّداً، فسارت سفينته أو طائرته إلى بلدة بعيدة أهلها صيام، فالأصح أن يمسك بقية اليوم وجوباً؛ لأنه صار واحداً منهم.
أدلة الشافعية في اختلاف المطالع:
استدلوا على اعتبار اختلاف المطالع بالسنة والقياس والمعقول:
1 – السنة: استدلوا بحديثين: أولهما حديث كُرَيب، وثانيهما حديث ابن عمر:
أ – حديث كريب: أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام، فقال: فقدمتُ الشام، فقضيت حاجتها، واستُهلَّ علي رمضان ُ وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمتُ المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيتَه؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نُكْمِل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمَرَنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم
فدل على أن ابن عباس لم يأخذ برؤية أهل الشام، وأنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر.
ب ـ حديث ابن عمر: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمّ عليكم فاقدُروا له» وهو يدل على أن وجوب الصوم منوط بالرؤية، لكن ليس المراد رؤية كل واحد، بل رؤية البعض.
2 – القياس: قاسوا اختلاف مطالع القمر على اختلاف مطالع الشمس المنوط به اختلاف مواقيت الصلاة.
3 – المعقول: أناط الشرع إيجاب الصوم بولادة شهر رمضان، وبدء الشهر يختلف باختلاف البلاد وتباعدها، مما يقتضي اختلاف حكم بدء الصوم تبعاً لاختلاف البلدان.
اختلاف المطالع عند الحنابلة:
قال الحنابلة إذا ثبتت رؤية الهلال بمكان، قريباً كان أو بعيداً، لزم الناس كلهم الصوم، وحكم من لم يره حكم من رآه.
أدلة الجمهور في اختلاف المطالع
أما السنة: فهو حديث أبي هريرة وغيره: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» فهو يدل على أن إيجاب الصوم على كل المسلمين معلق بمطلق الرؤية، والمطلق يجري على إطلاقه، فتكفي رؤية الجماعة أو الفرد المقبول الشهادة.
وأما القياس: فإنهم قاسوا البلدان البعيدة على المدن القريبة من بلد الرؤية، إذ لا فرق، والتفرقة تحكُّم، لا تعتمد على دليل.
هذا … وقد ذكر ابن حجر في الفتح ستة أقوال في الموضوع، وقال الصنعاني: والأقرب لزوم أهل بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سَمْتها أي على خط من خطوط الطول: وهي ما بين الشمال إلى الجنوب إذ بذلك تتحد المطالع، وتختلف المطالع بعدم التساوي في طول البلدين أو باختلاف درجات خطوط العرض.
والأمر الوارد في حديث ابن عمر، لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد، بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد، أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم؛ لأنه إذا رآه أهل بلد، فقد رآه المسلمون، فيلزم غيرهم ما لزمهم.
وهذا الرأي (رأي الجمهور) هو الراجح لدي توحيداً للعبادة بين المسلمين، ومنعاً من الاختلاف غير المقبول في عصرنا، ولأن إيجاب الصوم معلق بالرؤية، دون تفرقة بين الأقطار.
والعلوم الفلكية تؤيد توحيد أول الشهر الشرعي بين الحكومات الإسلامية، لأن أقصى مدة بين مطلع القمر في أقصى بلد إسلامي وبين مطلعه في أقصى بلد إسلامي آخر هو نحو 9 ساعات، فتكون بلاد الإسلام كلها مشتركة في أجزاء من الليل تمكنها من الصيام عند ثبوت الرؤية والتبليغ بها برقياً أو هاتفياً
والاحتياط هو الاكتفاء بتوحيد الأعياد في حدود البلاد العربية بدءاً من عمان في الشرق إلى المغرب الأقصى.
للمزيد اقرأ: الفقه الاسلامي وأدلته